خمسون ذهبية مباركة يا عُمان

جيهان رافع

عندما أكتبك يا وطني الثاني عُمان كما أكتب وطني الأول، يصير قلمي بيدي عِلمًا لا ينكِّسه رحيل أخلاق البعض، ولن تمسّ حبره قذارة الخيانات، بل سيخفق في خافقي عزةً، وينبض في دماء كلماتي، ولن يخطّ سوى طريق الوفاء والإخلاص لك يا وطني، فأنا التي تملك وطنين؛ الأول: ولدت فيه وولد في روحي، والثاني أقمت به وأقام في قلبي.

على هذه الشطآن ما يدعوك لسكينة الروح تهب عليك رياح السلام، فتفتت صخرة الشعور بالاغتراب والشوق، فتنبت الكلمات ويزهر الانتماء.

مِنَ حِكمِ ما قال جلالة السلطان قابوس -طيّب الله ثراه- "إنّ الشباب مدعوٌّ اليوم إلى أن يتخذ من أجداده الميامين قدوةً طيبةً، بالجد والعمل؛ إذ إنه بدون هذا التفاعل والمشاركة سوف تكون العقبات كبيرة، وأنَّ كل مواطن يجب أن يُسهم قدرَ طاقاته لإيجاد البيئة الموائمة والتربة الصالحة لانطلاقة عُمان نحو المستقبل الواعد الذي نتطلع إليه".

من هنا، ومن هذه الحكمة في توجيه الرسائل التي من شأنها أن تُلامس شعور كل مخلص للوطن، توجيهٌ لجيل الشباب ولكل مواطن، بحثِّه على بذل أقصى ما يستطيع لبناء وطن جدير بأبنائه الوطنيين، امتدادًا من جذورهم المثمرة وفاءً وحبًّا وصدقًا، تعلو بهم رايات الوطن خفَّاقة بالسلام والأمان والعمل الصالح، لم تكن نهضة عاديَّة محليَّة، بل كانت وما زالت استنهاضًا لكل همَّة تسير بالوطن نحو التقدم والازدهار، ولكلِّ الأجيال في أصقاع الوطن العربي؛ كي يكون العُماني قدوة في المحبة والإخلاص؛ حيث كان -رحمه الله- مؤمنًا بشعبه وببناء الإنسان قبل المكان؛ لذلك نجدُ أنه انطلق بهذه الكوكبة نحو مستقبل عتيد، وشقَّ بعنفوان الوفاء الطريق لأبناء عمان ولكل جاد في بناء وطنه.

في أزمات الأوطان، يظهر من أحب بإخلاص، ومن كان حبه لوطنه مجرَّد فقاعات، لا تكاد تمسها الأزمة حتى تنفجر، وتُظهر هشاشة ذلك الكلام، الذي كان مجرّد كلام في الهواء؛ فالوطن بحاجة للأفعال البنّاءة وليس بحاجة لأولئك الجاهلين الذين يهدمون ما بناه المخلصون.

ومن هذا المنطلق، كنا وما زلنا نسأل عن هشاشة شعور أولئك الذين لا يتركون للوطن مكانًا في قلوبهم؟ ويُطالبونه بالأخذ دائمًا من دون العطاء، عن أولئك الذين يجلبون له من الخارج ما يؤذي الداخل؟ هل هم على علمٍ بتجارب غيرهم ويتجاهلونها؟ أم أنهم لم ينظروا لما أصاب غيرهم من شتات وتشرُّد عندما خرجوا من تحت قبَّة الوفاء للوطن؟

هنا.. نجدُ نماذجَ -وبحمد الله- قليلة من الجهل في مطالبة الوطن بالكمال، ولا يقدّرون أن الوطن كالإنسان والإنسان ليس كاملًا، وأن الكمال لله وحده، ولو تمعّنوا قليلًا في أنفسهم لوجدوا أنهم غير قادرين على الكمال مع ذواتهم؛ فكيف يطلبون من أوطانهم ما لا يستطيعون تطبيقه؟

وعلى هذه الأرض التي أنبتت سواعدَ قوية للدفاع عنها وللذود بالغالي والثمين تجاه الحفاظ عليها ومنحها ربيعًا دائمَ الوفاء وأخضر الانتماء والتي أنعم الله عليها بمسيرة حفّها النقاء والإخلاص بسلطانٍ قائدٍ فذٍّ صقر يشق عباب السماء يصنع من الكسل همّة ونشاطا، ويصنع من الخسارة ربحًا، ومن الخيانة وفاءً، وعطاء القائد الذي أثبت بوقت قصير أنّ الله يحب عُمان وأنه سيقود لها مواكب الفرح والأمل وبوارق الطموحات والمستقبل.

عهدٌ لم يمضِ بل تجدَّد بجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- بشمسِ الحكمة لكل صباح عُماني يبني بلغة السلام، ويمد يدَ الفجر لكل ليلٍ تمرّ به البلاد، ولأن هذه الأرض تستحق محبة الله ورعايته، ستبقى جنة الأوطان، وطنًا للحب والسلام، لتبقى عُمان.