مكافأة نهاية الخدمة بين التمتع والاستقطاع

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

تُمثِّل مكافأة نهاية الخدمة خُلاصة الحصاد للمتقاعد بعد رحلة مضنية من العمل والكفاح الجاد، امتدتْ ثلاثين عاماً، تزيد أو تقصر، والمكافأة المستحقة له هي ما يَبني عليها خططه وأحلامه لما بعد مرحلة التقاعد.. لا نتكلَّم هنا عن المغالطات والجدل الدائر حول الفارق الكبير والهوَّة الشاسعة بين حجم المكافآت في القطاعات المختلفة؛ فمنها ما يرضي القلب ويبهجه، ومنها ما يضع المتقاعد في حيرة في أين سوف ينفقه؟!

طبعا هذا دون التقليل من قطاع أو آخر، ولكن يا حبذا لو تم النظر من قبل صندوق تقاعد الخدمة المدنية في زيادة مكافآت نهاية الخدمة عن تلك المستحقة في الوقت الحالي، والتي بصراحة أراها زهيدة للغاية، لا تُسمن ولا تُغني من جوع، مقارنة بمكافآت صناديق التقاعد الأخرى، وبما يقدمه الموظف من مساهمة طوال مدة خدمته الطويلة.

وما أحببتُ أن أتطرق إليه عبر هذا المقال- وكما هو واضح من العنوان، وبغض النظر عن مبلغ مكافآت التقاعد وتفاوتها بين صندوق تقاعدي وآخر، ومن خلال قراءتي للوضع الراهن، وبعد تحويل مكافاة نهاية الخدمة للبنك كما هو معمول به من إجراء- أننا نجد تضاربًا بين تفكير البنك في مصلحته الربحية من خلال حجز مكافأة نهاية الخدمة، خصوصا إذا كان لدى المتقاعد قرض كبير، وبين مدى قانونية هذا الإجراء بالنسبة لقوانين صناديق التقاعد الموجودة لدينا، والتى تمنع حجز المكافأة، وهناك الكثير من القضايا القانونية التى تمَّ رفعها على البنوك تم كسبها من قبل المتقاعدين، بعد أن حجز البنك على مكافآت نهاية الخدمة الخاصة بهم نتيجة عدم وجود قانون يُلزِم البنك بذلك، وهو ما يُعدُّ مخالفة قانونية صريحة، فما دام المعاش التقاعدي هو من يضمن المتقاعد فلماذا الحجز؟ وبالطبع تتغيَّر الصورة إن جاء الأمر كاستقالة ولم يكن هناك معاش تقاعدي؛ فمن الممكن هنا عمل تسوية بين الطرفين بالاتفاق.

وأتساءل هنا: أين دور البنك المركزي العماني في تنظيم هذه العملية وصياغة ضوابط ولوائح شفافة تنظم عملية علاقة المواطن، ومن ضمنهم فئة المتقاعدين مع البنوك، عِوَضًا عن الغموض الحاصل حاليا في حجز البنك لمكافاة نهاية الخدمة؟ ولماذا لا يصدر من قبل البنك المركزي إعلان خاص للمتقاعدين أسوة بالإعلان الذي أصدره خلال شهر فبراير الماضي من هذا العام لكافة البنوك العاملة في السلطنة والخاص (بالتسهيلات والخدمات المصرفية لفئتي المتقاعدين والعاملين في القطاع الخاص)؟ فصدور مثل هذا الإعلان والتعميم، من شأنه أن يضفي نوعًا من الحماية للمتقاعدين الذين يتقبل بعضهم حجز مكافأة نهاية الخدمة الخاصة بهم بمرارة بعد أن يصوغ لهم البنك أن حجر المبلغ ضروري بالنسبة للقرض الخاص به، ولا يحق للبنك أخذ ما ليس له قانونيًّا ولا حتى عمل بند يحق للبنك الحصول على المكافأة، فهذا يعد من الحقوق المجحفة!

بقي أن نقول إنَّ هناك نقطة ينبغي الاهتمام بها من قبل الدولة، لا سيما بعد خروج عدد كبير من المتقاعدين مؤخرا، وهي التنبيه لكافة القطاعات الحكومية منها والخاصة لتقدير دور المتقاعد ومعاملته المعاملة التى يستحقها من خلال تقديم كافة التسهيلات والمزايا له؛ فمن المفترض أن يحقق المتقاعد جل أحلامه بعد التقاعد لشعوره بالأمان من حيث الرعاية الطبية والاجتماعية، يُسافر ويستمتع كما هو حاصل في بعض الدول، بينما نجد بعض متقاعدينا يبدأ رحلة الكفاح الثانية في البحث عن وظيفة اخرى لمساعدته على مواجهة ظروف الحياة التي لا ترحم في هذا العصر.

والمُحزن حين تكون تلكم الفئات منسية، خاصة ممن هم كبار السن الذين يتلقون العزاء عند تقاعدهم عِوَضاً عن التهنئة.. وهنا تكمن المفارقة!