أصحاب المناصب

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

 

المتأمل في حال أصحاب المناصب ومُسمياتهم الوظيفية وكيف يحظون باحترام وتقدير الآخرين يعلم جيدًا أنَّهم لم يصلوا إلى تلك المناصب إلا بعد جهدٍ وإخلاص واحترام للأمانة المُلقاة على عاتقهم، وفي الوقت نفسه هناك من غيَّرتهم المناصب والوظائف المرموقة التي منحوا إياها لخدمة أوطانهم ومُجتمعاتهم فجعلتهم لايعرفون إلا أنفسهم فكانت نهايتهم مأساوية لا تُطاق .

هناك من يظن أنَّ قيمة الإنسان فيما يضاف إليه من مناصب وجاه ومال وحسب ونسب لاغير، وهذا خطأ اجتماعي يُمارسه البعض في عالم الحياة الاجتماعية، إنَّ القيمة الحقيقية للإنسان في مجتمعه هي بما يُضيفه لمجتمعه ووطنه من فكر وتقدم وازدهار وليس بما يُقدمه لنفسه فقط من جاه ومنصب ومال.

الإنسان المُخلص لمجتمعه ووطنه هو من يكون قادراً على كسب احترام الآخرين من خلال مهاراته وأسلوبه وأخلاقه وإبداعاته التي يُقدمها من أجل المصلحة الاجتماعية العامة، أما ما يضاف للإنسان من مناصب وجاه ومال فهي غير مضمونة له في عالم الحياة بل هي زائلة لا محالة، لذا ينبغي على الإنسان أن يركز جيدًا في ما يُقدمه لنفسه ومجتمعه بحيث لا يكون في محل التقصير أو الظلم أو الاستهتار بالموقع الذي يشغله في الحياة، روي عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في كتاب نهج البلاغة أنَّه قال: "والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت وإنَّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى. نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين .

إنَّ ما يُقدمه الإنسان من خير وصلاح لمجتمعه ووطنه فهو باقٍ ومُخلد له مدى الحياة، فمن المؤسف عندما ترى البعض بمجرد تقلده لمنصب مُعين أو وظيفة مرموقة يمنح إياها يصبح ويمسي شخصية مُختلفة تماماً فينقلب على من حوله، متكبراً متغطرساً، فيقطع تواصله مع من كان يعرفهم! ويصبح الوصول إليه من المستحيلات! ومُقابلته لابد أن تكون بمواعيد مسبقة! والدخول عليه لابد أن يكون لدقائق محدودة ومعدودة! تتخللها مجموعة من الاتصالات! قال تعالى: «إنَّ الله لا يحب المُتكبرين»، وروي عن حفيد الرسول الأعظم الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: (إنَّ في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له (سقر) شكا إلى الله شدة حره وسأله أن يأذن له أن يتنفس، فتنفس فأحرق جهنم)، وروي عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لبعض عمّاله: "وَإِنَّ عمَلكَ لَيْسَ لك بطُعْمَة وَلكنهُ فِي عُنقكَ أَمانةٌ وَأَنْتَ مُسْتَرْعًى لمنْ فَوْقك‏".

إنَّ بعض المناصب تكون محلاً للعنة دائمة على أصحابها في كثير من الأحيان، خاصة عندما لا يحسن الإنسان استخدامها بالشكل اللائق، فهي تبعدهم كثيرا ولا تُقربهم من بيئتهم ومجتمعهم، فتكون شخصياتهم مختلفة تمامًا، لذا فإنَّ مجرد تركهم لمناصبهم ووظائفهم لا ترى لهم أثرا أو ذكراً في مجتمعاتهم، قد يظن البعض أنهم رحلوا عن هذه الحياة وهم أحياء يرزقون، فبعدما كان الجميع يذكرهم وهم في مناصبهم ووظائفهم المرموقة وإذا بهم أصبحوا شيئاً لا يُذكر من التاريخ القديم الذي لا يعرف مصيرهم فيه إلى أين؟

أمثال هؤلاء من أصحاب المناصب لابد لهم من احترام مناصبهم ووظائفهم من خلال التعامل المثمر مع شرائح وطبقات المجتمع المختلفة، وذلك بالتعرف على أصناف أفراد المجتمع جيداً، ومعرفة كيفية التعامل معهم بكل الاتجاهات الفكرية والاجتماعية والسياسية، فذلك فن لايتقنه إلا الناجحون في عالم السلوك والأخلاق.

 يجب على أصحاب المناصب والوظائف المرموقة اكتساب الكثير من الخبرات الاجتماعية التي تجعلهم مُؤهلين لتلك المناصب والوظائف الاجتماعية في أعمالهم، وعدم الاكتفاء فقط بالتخصصات التي يمارسونها، أو الشهادات التي حصلوا عليها، فمن أهم الأولويات التي ينبغي الاهتمام بها هو: بناء علاقات إيجابية مع الجميع ليتمكنوا من حل الكثير من المشاكل والعقبات التي قد تطرأ لهم في مواقع العمل ويستطيعون الوصول إلى النجاح والازدهار الاجتماعي بشكل أفضل وأجمل.

إذا حصل الإنسان على منصب أو وظيفة مرموقة عليه أن يكون قريباً من النَّاس، ليس ببعيد عنهم بحجة الانشغال الدائم، بل ينبغي عليه أن يزيد من سعيه وعطفه واهتمامه بالجميع، ثم عليه أن يعلم جيدًا أنَّ المنصب الذي حصل عليه تكليف وليس تشريف، وهو نعمة من الباري عزَّ وجلَّ تحتاج إلى الكثير من الشكر لله وحده، وشكر هذه النعمة هو أن يزداد الإنسان قربًا وتواضعًا من الناس .

كما كان يفعل خليفة المسلمين العادل الإمام علي بن أبي طالب في خلافته، عن زاذان قال: رَأَيتُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالِبٍ يُمسكُ الشُّسوع* بِيده، يمرُّ فِي الأَسواق، فيُناولُ الرجُل الشِّسعَ، ويُرشدُ الضّال، ويُعينُ الحَمال على الحمولة وهو يقرأُ هذه الآية: «تِلْكَ الدَّارُ الْأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِيْ الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»، ثُمَّ يقول: هذِهِ الآيَة أنزِلت فِي الوُلاةِ وذَوِي القُدرَةِ مِنَ النّاس "أي من يمتلكون المناصب".

** (الشسوع): جمع شسع والشِّسْعُ : سَيْرٌ يمسك النَّعْلَ بأَصَابع القدم.