حماس ليس في مكانه

 

غسان الشهابي **

** كاتب بحريني

سرح الخيال بعيداً ببعض المُتحمسين العرب بأنَّ كوفيد-19 ليس مؤامرة أمريكية ولا صينية من أجل الاقتصاد والنفوذ وحرب كسر العظم وغيرها من العناوين واللافتات التي رأينا منها الكثير في الأشهر الستة الماضية... بل هي في الأساس مؤامرة صهيونية واضحة الملامح كاملة الأركان... لماذا؟

يقول هؤلاء المتحمسون والمتوجسون بأنَّ كل هذا الذي تمَّ الترويج له من قبل منظمة الصحة العالمية المسيطر عليها من قبل اللوبي الصهيوني العالمي (بزعمهم) ما هو إلا إلهاء واسع وكبير من أجل أن تمر صفقة القرن، وأن ينشغل العالم بنفسه عن غيره، ولا أحد يُمكنه إذ ذاك الوقوف في وجه المشاريع الصهيونية بقيادة نتنياهو الذي يضع رجلاً داخل الزنزانة وأخرى خارجها لعدة قضايا فساد تحيط به جعلت رائحته "نتنة"، فأي حركة منه في اتجاه ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وتوسعة المستعمرات، وضمان الأمن للمُحتلين ستباعد بينه وبين محاكمته أو محاسبته، وتكسبه بعض الوقت حتى يفكر في مناورات أخرى يقوم بموجبها بإسقاط التهم المُوجهة ضده، أو تحييدها على الأقل.

ويذكر هؤلاء أيضاً أنَّ أحداثاً وقعت في الماضي تم اختيار توقيتها بمنتهى الدقة من قبل العدو الصهيوني ومن أبرزها اجتياح لبنان في صيف 1982 أثناء مونديال كأس العالم والعالم مشغول بالمباريات ولا أحد ملتفت إلى ما يجري إلى الحصار الذي طوق بيروت أكثر من 70 يوماً!

وإذا كان لا يزال يُحمد للمتحمسين حماسهم في وقت طغت الكثير من العوامل على القضايا الكبرى، ومنها قضايانا العربية حتى ليظن الظان ألا تهتز شعرة في شارب العربي مهما حدث نظراً للتخدير الذي يتعرض له لحظياً من داخل وطنه ومن خارجه، من الإعلام المسخِّف للعقول، والإعلام المستحوذ على العقول، ومن القضايا المعيشية والصراعات الداخلية بعناوينها المتعددة؛ إلا أنَّ تصديق مثل هذه الأوهام من شأنه تجاوز المنطق والتفكير السليم.

فالعالم اليوم لا يملك العزم للتدخل بقوة لصد عدوان، أو إنهاء قضية نراها عادلة كل العدل، وتراها دول كثيرة أن فيها وجهات نظر، بل حتى أن السوس الصهيوني نخر دولاً عربية بنخبها المُثقفة والسياسية لتقول إن "إسرائيل" أمر واقع وتعالوا نتعامل معه. أما الكيان المُحتل فما عاد يخشى أحداً ولا يحسب حساباً لأحد، يضرب ضربته، ويفعل فعله، ويثبت وضعاً فوق الأرض، وهو يعلم علم اليقين ألا دولة ولا منظمة ولا صرخات الأحرار من شعوب العالم يمكنها أن تؤثر فيه أو تثنيه عن مُخططاته، إذ إنِّه يرى أنَّه مهما فعل وأجرم وعربد، فإنِّه يلقى الحفاوة الدبلوماسية المعتادة من صناع القرار في أكبر الدول وأهمها، ولذلك فلا شأن له إن غضبت مجموعة هنا من تصرفاته، أو تمَّ رشق موكب صهيوني بالطماطم أثناء ذهابه لتوقيع على هبات تمنح له.

إن هذا الكيان لا يُواجه بجنس ما يفعل، فالدبابة قادرة أن تدعس أكبر الدبلوماسيات، والخطابات لا تصمد أمام "القبة الحديدية"، والجدار العازل لا تزيله الأناشيد الحماسية، فلقد خلع هذا الكيان برقع الحياء، إن كان موجوداً أصلاً، فلم يعد بحاجة إلى ما يغطي عورته إن أتى بأفعال مشينة، فالكل مشغول عنه بعورات لا تحصى.