شيابنا.. أمانة

ناجي بن جمعة البلوشي

"عُمان تتعافى".. هو عنوان التوجيه السامي للمرحلة التي تعيشها السلطنة الآن، ومنها ستنطلق كل أعنان الأفكار إلى توحيد العمل بآليات تتماشى مع المرحلة وما بها من تحديات التعايش مع المرض شديد العدوى، مع الحرص والحفاظ على الصحة الشخصية أولا، والصحة العامة للأفراد القريبين من كل شخص إن كانوا أهل بيت، أو زملاء عمل، أو شركاء حرفة وصنعة؛ ليكون شعارنا موحدًا، بصوت وفكر واحد، وهو أننا جميعا مسؤولون عن أنفسنا وعنهم، كما أنهم مسؤولون عن أنفسهم وعنا.

بهذه العبارة، لابد أن نملأ عقولنا وأحاسيس قلوبنا حتى تكون النفس في استيقاظ دائم يحدد الخطوات التي يستجيب لها كل من العقل والقلب في اتجاه أنفسنا والآخرين، وبها نرتقي إلى أعنان الرقي الأنساني في المعاملات الأخلاقية، فإذا كنا في موقع الأب أرشدنا أبناءنا وبناتنا إلى تبني نفس المنهج والشعور والامتثال، وإذا كنا في موقع المدير أرشدنا أفراد وحدتنا والعاملين بها إلى الالتزام الصارم، كذلك من هم ذوي حرفة وصنعة وتجارة فلا يفتحون أبواب محالهم ومعارضهم على مصراعيها من أجل الكسب وترك المسؤولية جانبا؛ فالإرشاد والتناصح يستوجب أن يكون خلقهم الجديد تجاه كل عميل وشريك تجاري حتى نمضي جميعنا إلى غاية الاستخلاص الإنساني الراقي الموجود في ديننا الإسلامي الحنيف؛ ففي قوله تعالى من الآية 233 من سورة البقرة: "لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ"، فهنا الدين الإسلامي أعطى الولد مكانا أرقى من التداولات والمكاسب الإنسانية السخيفة، حتى وإن كانت هذه المكاسب لأمه او لأبيه؛ فلا يدفعون به ولا يطلبونه من أجل فوائدهم الخاصة التي هي مضرَّة لذلك المولود، فكيف بها إذا كانت هذه المكاسب لغاية نفسية وشهوة إنسانية ورغبة طفولية مُضِرَّة بمجتمع إنساني كامل، به من به من تنوع الأفراد؛ فمنهم من يحملون الأمراض النفسية أو الوراثية أو المزمنة، ومنهم من كبير السن، ومنهم من هو غير ذلك.

ولأننا في السلطنة -التي حباها الله بفضل بركة العمر المديد لكثير من أفرادها- فلا أكون مخطئا إن قلت إنَّه يوجد في كل بيت أو عائلة أو حارة شياب يتجاوزن عمر التسعين وما فوق، هذا لأن الله عز وجل أمد في عمرهم، ولأنهم كذلك اتبعوا عادات صحية مناسبة؛ فمنهم من لم يشرب الماء المثلج مطلقا، ومنهم من لم ينم تحت مكيف الهواء طيلة حياته، ومنهم من لم يأكل المأكولات سريعة التحضير، ومنهم من ينام بعد صلاته للعشاء، ومنهم من يوقظ نفسه بقراءة القرآن والذكر، ومنهم من يعمل في عمله دون كلل أو ملل، ومنهم من يحافظ على رياضة المشي... إلخ من العادات التي تساعد الإنسان في التغلب على نواحٍ كثيرة من عوالق الحياة.

إنهم بيوت خبرة الحياة، وقادة موجهون لعنصر الشباب؛ فهم عظماء الأمة العمانية والمخلِّدون لتاريخها الباقي؛ فهم بناة القلاع وهم شاقو الأفلاج وهم واضعو العلوم بأنواعها إن كان علم تقسيم المياه أو سُنن البحر أو البناء والتشييد أو الفلك أو علوم الدين واللغة والتاريخ والثقافة والفنون، كما أنَّهم المعالجون بالطب الشعبي وبالوصفات العشبية والطرق البدائية، وبهذا كله وغيره وضعوا عمان في سجل التاريخ الخالد، ولأننا على يقين تام بأن الإنسان خُلق لينسى، وإلا فإنه لن يعيش أكثر من أعوام بسيطه، لذلك أود أن ألفت نظر إخواني وأهلي إلى آبائهم وشيابهم فقد أسلفت ذكرا أننا الآن في مرحلة التعافي والعودة للحياة الطبيعية تدريجيا، لنكون مع عاداتنا السابقة وحياتنا المعتادة، ولأنهم آباؤنا وأجدادنا وكبراء منطقتنا وأعزاء علينا، فإننا سنكون بينهم يوما ما ليتوجب علينا أن نكون على قدر كبير من المسؤولية عندهم كالتباعد الجسدي عنهم، ونصحهم بلف القماش على وجوههم، والحرص على عدم الاختلاط بالآخرين أو مخالطتهم بمسافة كافية مع التعقيم الدائم، يجب علينا الخوف عليهم والتأكد من الاحترازات الوقائية للآخرين كتنظيم الزائرين بما يضمن السلامة لهم... وغيرها من الطرق التي تجعلنا نرد لهم الجميل ونحافظ عليهم لأنهم أمانة لدينا.