مركز عُمان للتحكيم.. أحد محفزات الاستثمار

أحمد بن سليمان العبري

 

مِنَ المعلوم أنَّ القضاءَ يُعتبر الطريقَ الطبيعيَّ لفضِّ المنازعات، ولكن مع تطوُّر التجارة الداخلية والخارجية والتغيير المستمر في أنماطها، فقد نشأت -إلى جانب القضاء- وسائل أخرى اختيارية يلجأ إليها الخصوم لفضِّ المنازعات التي تنشأ بينهم، بدلاً من اللجوء إلى القضاء، والتي من أهمها: التحكيم، والذي يعيش الآن -سيَّما التحكيم التجاري الدولي- أزهى عصور ازدهاره.

ورسخ التحكيم كنظام لفض المنازعات، وقد بلغ من التنظيم الدولي مبلغًا متقدمًا لم يبلغه أي نظام آخر، ولقد وُضِعت له الاتفاقيات الدولية؛ ومنها: اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام المحكمين 1958م، والقانون النموذجي للتحكيم 1985 وتعديلاته. وعلى الصعيد الوطني، فإنَّ معظم الدول نظَّمت التحكيم ووضعتْ له القوانين؛ لما لها من أثر مباشر على الاقتصاد وازدهاره، وقد سارت السلطنة في ذات الاتجاه؛ وذلك بأن أصدرت قانون التحكيم العماني بموجب المرسوم السلطاني 47/1997.

وقد خلا قانون التحكيم العُماني من تعريف التحكيم، إلا أنَّ القضاء العماني تبنَّى تعريفاً له بأنه "طريق استثنائي لفض المنازعات، قُوَامه الخروج عن طرق التقاضي العادية وينشأ بالاتفاق عليه بين الخصوم، ومن ثم فهو لا يتعلق بالنظام العام، ولا يجوز للمحكمة أن تقضي بها من تلقاء نفسها، وإنما يتعيَّن التمسك به أمامها".

ويحقق التحكيم للمحتكمين مزايا عدة؛ منها: البعد عن بطء إجراءات التقاضي أمام القضاء العادي وما يستتبعه ذلك من زيادة النفقات التي يتحملها المتقاضون، وما يحققه اللجوء إلى التحكيم للخصوم من إمكانية اختيار القواعد الموضوعية التي يتم على أساسها الفصل في منازعاتهم، إضافة إلى سرية الجلسات، وهذا ما يُحقق للخصوم ميزة البُعد بمنازعاتهم عن علم الآخرين بها، ولذلك أهمية خاصة تتعلق بالسمعة في المجال التجاري.

ويُجسِّد إنشاء مركز عُمان للتحكيم التجاري بموجب المرسوم السلطاني رقم 26/2018 اهتمامَ السلطنة بالتحكيم التجاري؛ كونه أحد المحفزات لجذب الاستثمارات الأجنبية، وإعطاء الثقة للاستثمارات المحلية؛ باعتباره أنسب الطرق لحل المنازعات التي تثيرها العلاقات ذات الطابع الدولي، فوجود العنصر الأجنبي في العلاقة يؤدي إلى احتياج أطرافها إلى جهة محايدة لحل ما تثيره من منازعات، ويكون التوصل إلى مُحكِّم محايد أو على الأقل ينتمي لدولة أخرى غير الدول التي ينتمي إليها الأطراف، بمثابة طوق النجاة الذي يحظى بقبول الطرفين.

ولا شك أنَّ التحكيم وإنْ كان موجودًا في السلطنة قبل إنشاء هذا المركز، وفق نظام التحكيم الحر الذي يتم دون وجود إشراف من مركز تحكيم، فيتولَّى الخصوم إقامته بمناسبة نزاع معيّن، فيختارون بأنفسهم المحكِّم أو المحكِّمين، كما يتولون في الوقت ذاته تحديد الإجراءات والقواعد التي تُطبَّق بشأنه، إلا أنَّ ذلك يفقد الأطراف مزايا التحكيم المؤسسي؛ ومنها أنَّ التحكيم يتمُّ وفق قواعد المركز التي تعتبر قواعد متخصصة لإجراءات التحكيم، علاوة على أنَّ المركز يضع جميع خدماته الإدارية تحت تصرف أطراف النزاع؛ ومنها: سجل المحكمين الذي سيوفر عناء البحث عن المحكمين.

ومن فوائد مراكز التحكيم أنَّها تُسهم في حل مشكلات كثيرة متعلقة بالتحكيم عند عدم النص عليها في الاتفاق؛ مثل: مكان التحكيم، ولغته، ومصاريفه وأتعابه، واختيار المحكمين والإجراءات.

وتمهيداً لمزاولة المركز أعماله، فقد أصدرت غرفة تجارة وصناعة عمان نظامَ عمل المركز بموجب القرار 37/2019، الذي تناول تكوين المركز واختصاصاته، وآلية تكوين مجلس إدارة المركز وصلاحياته المتعلقة بالإشراف والرقابة والمتابعة، وتفاصيل العضوية، والاجتماعات، إضافة إلى اختصاصات الإدارة التنفيذية والرئيس التنفيذي، وبعض الأحكام العامة، إضافة إلى أن ذلك القرار أَوْكَل إلى رئيس مجلس إدارة المركز إصدار قواعد التحكيم وغيرها من قواعد الوسيلة البديلة، واللوائح والقرارات اللإزمة لتفعيل أحكام النظام.

وقد استكملَ مركز عُمان للتحكيم التجاري خُطوة تشكيل مجلس الإدارة، ولا شك أنَّ إصدار نظام المركز وتشكيل مجلس الإدارة تعدُّ من أهم الركائز لمباشرة المركز أعماله، ويتبقى لاكتمال تلك المنظمومة إصدار قواعد التحكيم الخاصة بالمركز، التي نتمنى أن ترى النور قريباً، ليتم في ضوئها مباشرة الإجراءات الاعتيادية التي سوف يتمُّ النص عليها في تلك القواعد، ومن أوائل هذه الإجراءات بلا شك قيد طلبات التحكيم لدى المركز، والقيد في سجل المحكمين والوسطاء.