جابر حسين العماني
يشهد العالم البشري سباقاً بين الأمم بهدف التقدم والتفوق والازدهار، كما كانت الأمم السابقة إلا أن سباق اليوم مختلف تماماً عن سباق الأمس، أصبح سباق اليوم أكثر تأثيرا على الحياة الاجتماعية، فكل دولة تفكر كيف تحافظ على سمعتها وتطوير قدراتها وإمكانياتها ليكون موقعها متقدماً بين الأمم.
لا يمكن للأمم أن تتقدم أو تتطور نحو حياة أفضل وأجمل وأكمل إلا إذا أتقنت ما تريد إنجازه وتحقيقه، فإنَّ الإنجاز في حد ذاته يعني النجاح والتفوق بين المجتمعات، فتلك قيمة حضارية لابد من الإيمان بها والعمل على تحقيقها بهدف الوصول إلى التقدم والازدهار المجتمعي المنشود، لذا فإنَّ المتأمل في واقع العالم البشري اليوم يجد أنَّ هناك دولا نشطة تتقدم بشكل متسارع نحو الإبداع والتفوق والتألق بل وتزدهر بصناعتها ومواردها العلمية والعملية بشكل ملحوظ للجميع، فما هو سر ذلك التقدم والنجاح والازدهار والإبداع ؟
إذا أردنا التعرف على سر ذلك النجاح والتفوق المتسارع للإبداع البشري في تلك الدول، فإنَّ المتأمل العاقل اللبيب يعلم جيداً أن السر في ذلك هو إتقان العمل، وذلك واجب وطني في جميع مفاصل تلك الدول بل في مختلف أركان الحياة اليومية سواء كان ذلك على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي، فإنَّ العمل هو المصدر الأساسي الذي يعتمد عليه الإنسان لتوفير احتياجاته ومتطلباته الأسرية والاجتماعية، بل وتطوير مجتمعه ووطنه نحو حياة أفضل وأجمل، لذا ينبغي على الإنسان أن يخلص في إتقان عمله، فإن إتقان العمل يعني أداء الإنسان لعمله دون اقتراف الأخطاء، وذلك بالالتزام الجاد والفاعل بمتطلبات العمل والتي من أهمها الإخلاص والوفاء والاحترام لأوقات العمل.
إن من أهم الواجبات التي يجب على الإنسان الالتزام بها هو احترام وقت العمل من بدايته إلى نهايته، فلا يجوز له إضاعة أوقات العمل بما لا يخدم مصالح الناس وإنجاز معاملاتهم، لذا عليه أن يستشعر مراقبة الله له في كل أحواله، قال تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
على الإنسان التفكير الجاد في استمرار العمل المخلص لتحقيق عامل التطوير والإنجاز لكي لا يبقى الإنسان في مكانه دون أي تطوير أو إنجاز يذكر، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: "من يعمل يزدد قوة ومن قصَّر في العمل يزدد فترة"، وقال: "من قصر في العمل ابتلي بالهم".
روي أنَّ النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم مد يده مسلمًا على معاذ بن جبل رضي الله عنه فلمس في يده خشونة، فسأله عن سببها، فأخبره أنَّها من أثر العمل، فقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: "هذه يد يحبها الله ورسوله ولا تمسها النار".
كم نحن بحاجة ماسة إلى إتقان العمل، ونحن في عصر ضاعت فيه الكثير من القيم الاجتماعية والإنسانية واختلط فيه الحابل بالنابل، وقلت الثقة بين الناس، بحيث أصبح وأمسى بعض العاملين في أعمالهم غير مهتمين إلا باستلام راتبهم عند نهاية كل شهر، دون الاهتمام بإتقان العمل والواجبات الملقاة على عاتقهم، لذا ينبغي أن نغرس ثقافة مراقبة الله في جميع مفاصل حياتنا.
إن أهمية إتقان العمل تعود على الفرد والمجتمع بفوائد جمة، ومن أهمها ما يلي:
* عندما يلتزم الإنسان بإتقان عمله بإخلاص ووفاء وتفان فهو يجعل من نفسه متميزا بين الآخرين، مما يجعله أوفر حظاً في الحصول على المكافآت والترقيات.
* إتقان العمل يجعل من الإنسان صاحب أثر عظيم في المحيط الذي يتعايش معه.
* إتقان العمل في حد ذاته يساهم كثيرا في الإقلال من التكاليف التي يتم رصدها لإصلاح عيوب المنتجات الخدمية التي يحتاج إليها المجتمع، فالمنتج السيئ يعني عدم إتقان العمل في صناعته.
* إتقان العمل يسهم بشكل واضح في تحسين النفس البشرية، بل ويجعل الإنسان يشعر بالراحة والاطمئنان والسعادة والانشراح، بحيث يكون على النهج السليم الذي يجعله قريباً من تحقيق أحلامه وأمنياته وأهدافه المنشودة في خدمة وطنه ومجتمعه.
ينبغي أن يتحلى العاملون في المؤسسات الحكومية أو القطاعات الخاصة، من أصغر موظف إلى أكبر مسؤول في الدولة بالصبر الجميل، وعدم التسرع في اتخاذ القرارات، ومحاولة التأكيد على أهمية التأني والحكمة في كل الظروف، ليستطيع الجميع إنهاء مسؤولية العمل بالشكل المطلوب بعيدا عن الأخطاء والتقصير، يقول الشاعر الكبير أحمد شوقي:
أيُّها العمَّال، أفنُوا الْعُمْر كدًّا واكتسابَا// واعمُروا الأرض فلولا سعيُكمْ أمستْ يَبَابَا / أتقِنوا يُحببْكمُ اللهُ ويرفعْكمْ جنابَا// إن للمتقنِ عند اللهِ والناسِ الثوابَا.
قال تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) صدق الله العلي العظيم.