يقطِفون ثمار جهد غيرهم بهذا القرار!

 

 

حمد بن سالم العلوي

لقد كُنت أنوي الكتابة عن التَّقاعد، وعشوائيَّة نظامه هذا الأسبوع، ولكن تعديل لائحة إقامة العمل للعمالة الوافدة المفاجئ، والذي أربك حسابات أصحاب العمل، وأشعل وسائل الاتصال بالاحتجاج والاعتراض، فلم أجد شخصاً واحداً من بَيْن المغرِّدين، أو المرسلين للمقاطع الصوتية، يمتدح هذه الخبطة التي نزلت على رأس التجارة صاملة، وحتى أولئك الموجودين داخل "الشبك" المتربصين بعُمان الدوائر، لم يمتدحوا هذا القرار نكاية في المتضررين، ولدقِّ إسفين بين أصحاب الشركات والحكومة، والذي سيقصم ظهر الاستقرار الوظيفي، وذلك عند البدء في تطبيقه مطلع العام الجديد، فمن آثاره الظاهرة والسريعة، أنَّ هناك من سيشقى بالتدريب والتأهيل ودفع الأموال، والمتطفِّلين سيقطفون الثمار، وهم في ظل الضوابط الحالية، لا يسلم الكثير من الشركات من سرقاتهم، فبعضهم يفعلون ذلك حسداً، والبعض الآخر طفيلي بطبعه، فلا يرى إلا نفسه من يستحق النجاح.

يقصُّ عليَّ أحد الأشخاص قصة تعرض لها؛ فهو يملك مطعماً صغيراً، وأتى بعامل جديد، فطلب الشخص الذي يعمل على الشاورما، أن يعلم هذا العامل الجديد ليكون معاوناً له، وبديلا عنه في حالة الضرورة، وبعدما أصبح جيداً في العمل ويعتمد عليه، أتى بحكاية عاطفية وإنسانية، فزعم أن أمه مريضة ولا بد من العودة إلى بلاده للقيام بخدمتها، وبعد ستة أشهر انتهت إقامته في الخارج، فاتصل على كفيله السابق، فقال له إن أمه قد توفاها الله إلى رحمته، وقد علم أنَّ الكفيل السابق، قد وظف شخصاً آخر بدلاً منه، فطلب منه أن يحصل على تنازل حتى يعود للعمل في السلطنة، واتضح أنَّ وراء الحبكة كلها شخص آخر، كان يريد أخذه للعمل عنده، ولو أنه لم يختلف مع الكفيل الجديد، ما كنت ستُكتشف المؤامرة، وإن مرض الأم ووفاتها كان قبل سنوات، وإن نفس الشخص "الوسواس" إياه كان يُراود معلم الشاورما نفسه، ويوسوس له لسحبه عن كفيله حسداً منه، فهذه قصة واقعية حتى تعرفوا كيف يعمل الطفيليون لسحب الأيدي المدربة بدون عناء منهم، فكيف سيكون الحال مع النظام الجديد؟!

إذن؛ فقد تفاجَأ الجميع بهذا النظام الذي يلغي شرط التنازل، أو الغياب عامين عن البلاد حتى ينسى العامل شيئاً من أسرار العمل السابق، فأقول إن كان هذا القرار نزولاً لضغوط خارجية، فكم نحن رؤوفين ورقيقين وطيبين إلى درجة السذاجة مع العمالة الوافدة، والتي لا تَرأف بصاحب العمل مقابل رأفتنا بهم، وطبعاً لا أُعمِّم فهناك منهم من يستحق الشكر والتقدير للالتزام والصَّبر، فإذا كانت الحكومة والوافدون سيصطفون في خندق واحد ضد أصحاب الشركات، فعلينا أن نقرأ السلام على اقتصادنا القائم على التجارة الوطنية.

ولا أظنُّ أنَّ هذا القرار قد راعى المصلحة الوطنية عندما صَدر، وإنما مجاملة وضعف أمام ما يُسمى بحقوق الإنسان؛ وذلك دون أن تشمل هذه الحقوق المواطن العُماني، وكأنه لا تَشمله هذه الإنسانية، فهو الذي سيظل يجرب في جلب العمال حتى يظفر بعامل أو مجموعة عمال، وذلك حتى يجد من يقوم بأعماله البسيطة، ويفعل ذلك عشرات المرات حتى يُوفق وتستقيم الأمور في شركته، ويدفع الرسوم تلو الرسوم، وذلك من غير تكاليف الاستقدام، والفحوصات الطبية، والتأمين عليهم، والتذلل للسفارات الأجنبية، فكل السفارات تقف مع مواطنيها، وتحدِّد لهم شروطًا مجحفة في حق رب العمل، ويدخل المواطن في ابتزاز مع مكاتب الاستقدام، والكل يأخذ نصيبه من مال وجهد هذا المواطن، ولا من أحد خاسر هنا إلا هذا المواطن العُماني، الذي لا أحد يريد أن يقف معه، وحتى المستغلين للأوضاع لا يجدون من يُؤدِّبهم، فيختلط الحابل بالنابل، فعندئذ تُتهم البلاد بالتجارة في البشر، بسبب سوء سلوك البعض.

إنَّ الوافد الذي يتم إحضاره يظل مُتفِّضلاً بمِنة منه على كفيله، وإلا تَرَك العمل ليلاً وهرب ليعمل بحريته، وعندما يذهب المواطن للإبلاغ عن هروب عامل، يُنكَّل به ويعذب وكأنه هو الهارب، أو هو السبب في هروب العامل، ويدفع مبالغ من باب الاحتياط، وذلك لإبعاد العامل متى ما حضر هو بنفسه بعد سنوات؛ فالقهر إن صاحب العمل يتعرض إلى "عدالة قراقوش" فإذا هرب منه عامل ما، فبدلاً من أن يعوضه العامل الهارب، بدلاً عن الأموال التي صرفها عليه يوم أحضره للعمل عنده، يقوم بدفع مصاريف مغادرته من البلاد، بعدما يكون عَمِل في البلاد لسنوات غير محددة، ورحَّل تلك الأموال التي حصل عليها إلى بلاده، فيأتي يدا وراء ويدا قدَّام، فيطلب ترحيله من البلاد، وهو عارف أنه سيسافر على حساب كفيله السابق، فالكفيل مذهول من تلك الإجراءات، والعامل يضحك على خيبة كفيله.

وهنا.. أقترح مخرجاً من هذه الأزمة التي ستنشأ من تطبيق هذا النظام، أن يُؤجل التطبيق لمدة عامين، وبما أنَّ القاعدة القانونية تقول: إن العقد شريعة المتعاقدين، فيؤتَى بنص في القانون يعترف بالعقود الشخصية بين العمال وأرباب العمل، وأن تُكلف غرفة تجارة وصناعة عُمان بإعداد عقد مُوحَّد، وأن يشمل العقد شروطًا جزائية على من يخل به من الطرفين؛ فعلى سبيل المثال العامل الهارب يتحمل كل المصاريف التي دُفعِت عليه، والمصاريف التي تحمَّلها رب العمل في جلب البديل عنه، وهنا سنخرُج من الضغوط الدولية، إن كانت هناك ضغوط فعلية، ويجب أنْ تشمل العقود كل القوى العاملة حتى الوطنية، ويركَّز أكثر على من يتعلم المهنة على رأس العمل، أما من أتى ومهنته في رأسه، كالأطباء والمهندسين وأية مهنة أخرى مماثلة، فشروطهم بانتهاء عقودهم.

فعندئذ لن يكون هناك من يُعلِّم، وآخر -بلا ضمير- يصيد في الماء العكر، لقطف ثمار جهود الآخرين، إما للاستفادة منهم دون جهد منه، وإما للتخريب على الغير، وأن يلتزم بشروط العقد، وأن تنشأ محكمة متخصصة للبت في القضايا العمالية، وأن تشمل الأحكام نقل الإقامة دون موافقة الكفيل السابق مع ذكر السبب، فليس دائماً العامل هو المخطئ، وإنما هناك أخطاء من أرباب العمل الجشعين، وأن يسرَّع في التقاضي حتى يكون للحكم أثر طيب، وهناك من يُجيد أساليب التحايل على المحاكم، بهدف التنكيل بالمشتكي، وهناك عصابات داخل البلاد وخارجها، امتهنت الترزُّق مالا حراماً من تجارة العمال، فيجب أن تكون هناك جهة لتقصِّي وتتبع هذه العصابات، وأن يعمل على قطع يدها عن الحرام، وأن تُثني على التاجر الشريف وتحميه.. هذا والله الموفق.