ترجّل فرسان النهضة العمانية

 

حميد بن مسلم السعيدي

مع بداية النَّهضة العُمانية الحديثة في بداية عام 1970م، كانت الحياة صعبة على أرض الواقع، والبنية التحتية لا وجود لها، وضعف الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من القطاعات الخدمية التي يُمكن وصفها بالانعدام من الوجود، فكانت حياة الإنسان العُماني شاقة ومتعبة كلفته العديد من التضحيات في سبيل توفير أدنى الاحتياجات الأساسية من أجل استمراره في العيش، إلا أنَّ ذلك تغير بصورة سريعة، وأصبحت عُمان منارة الشرق خلال الخمسين عاماً.

تحولت عُمان إلى دولة مُتقدمة توفر كل سبل الحياة الكريمة للإنسان العُماني، في ظل تنامٍ كبير لجميع الاحتياجات الأساسية للبنية التحتية والخدمات التي يحتاجها المواطن، وهذا العمل كان ثمرة للتخطيط السليم من المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، ونتيجة للمشاركة الوطنية من المواطنين العُمانيين الذي رفعوا راية البناء والتطوير، مما أثمر عن كل ما نراه اليوم ماثلاً أمام أعيننا، من نتاجات متقدمة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والتعليمية والصحية، وغيرها من الجوانب الأخرى.

وبعد هذه المسيرة التي تُخلد في التاريخ العماني بالإنجازات الوطنية العظيمة والتي حققت العديد من المكتسبات الوطنية، وشارك فيها أعداد كبيرة من المواطنين الذين لم يدخروا جهداً وفكراً إلا من أجل عُمان الغالية، لذا حان الوقت أن يترجل فرسان النهضة العمانية الحديثة عن صهوة العمل الوطني، ويتاح الفرصة لجيل جديد يستكمل مشوار العمل الوطني بفكر حديث يتوافق مع الحداثة التي يشهدها العالم في القرن الحادي والعشرين، خاصة والعالم يمضي في سباق الثورة الصناعية الرابعة.

تتجه المؤسسات إلى الاهتمام بالقوى البشرية الشابة والتي تحمل فكراً حديثاً وطاقة للرغبة في التجديد بما يحقق التطوير في العمل الوطني، لذا فإنَّ فترة التقاعد عند مستوى ثلاثين سنة هي مرحلة تغيير للأجيال، وبناء مرحلة جديدة تحمل فكراً متغيراً، مما يُسهم في معالجة العديد من الإشكاليات التي تعاني منها المؤسسات خلال الفترة الماضية، الأمر الذي يُساعد على معالجة إشكاليات الترهل والفساد الإداري والمالي، وإيجاد الوسائل الكفيلة بحماية المال العام، وإنفاقه في المشاريع الهادفة، إلى جانب معالجة مشكلة الباحثين عن العمل خاصة وأن أعداداً كبيرة منهم تحمل شهادات من أرقى الجامعات ويمتلكون فكراً مُتجدداً يساعد على النهوض بالعمل الوطني.

هذه المرحلة التي تمثل مرحلة انتقال وطني نحو بناء نهضة متجددة تحت قيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- تتطلب تكاتف الجهود الوطنية لمواكبة الحضارة الحديثة في القرن الحادي والعشرين، بالاعتماد على الكفاءات الوطنية التي ينبغي أن يتم اختيارها على مستوى عالٍ من المعيارية الدقيقة بما يُساعد على استمرارية تنامي عملية التطوير في كافة القطاعات الوطنية، والاعتماد على القدرات الشابة التي تمتلك الفكر الحديث في الإبداع والابتكار بما يحقق ثورة صناعية عمانية تقود الوطن نحو مصاف الدول المتقدمة، خاصة وأن هناك اكتمال في البنية التحتية في كافة القطاعات، مما يشكل أساساً صلباً من أجل استمرار البناء في أشكال مُتجددة بعيداً عن التقليدية في الممارسات الإدارية والفنية، بما يسمح لفتح المجال لأفكار جديدة تبتكر حداثة نمطية تعيد ترتيب الأولويات وتصنع رؤية عُمانية نحو المستقبل القريب.

إنها مرحلة مهمة تأتي مع رؤية "عمان 2040" والتي تبلورت نتيجة للشراكة بين الحكومة والمجتمع لتقدم رؤية إستراتيجية تتجه نحو التطوير ومعالجة الإشكاليات الاقتصادية التي واجهت رؤية عمان 2020، مما يعطي مؤشرات على أن مرحلة التغيير قد تُسهم في إعادة نمطية الإدارة في المؤسسات الحكومية بما يعود بالنفع على الوطن من خلال الاعتماد على الكفاءات الوطنية الشابة وإتاحة الفرصة للأفكار المنتجة أن ترى النور، خاصة في ظل وجود تراكمات تُعاني منها مؤسسات اقتصادية وتخطيطية وأكاديمية وتعليمية تعاني من إشكاليات الفكر التقليدي الذي لم يتمكن من مغادرة الأفكار غير الفاعلة مما أدى إلى إخفاقات مستمرة كلفت الوطن الموارد البشرية والمالية كان يمكن لو خطط لها بصورة حديثة أن تحدث تغييراً في مسار التقدم العلمي والاقتصادي.

وفي ظل كل هذه المعطيات حان موعد رحيل ممن أكمل ثلاثين عاماً من العمل الوطني في خدمة عُمان، مع تقديم كل الشكر والتقدير على جهودهم خلال الفترة الماضية والتي كانت مليئة بالإنجازات الوطنية التي حققت مزيداً من التقدم لهذا الوطن، ولكن عندما يصل الإنسان إلى ما بعد سن الخمسة والخمسين عاماً ينبغي أن ينهي مرحلة العمل ويتَّجه نحو الترفيه عن الذات وبناء حياة جديدة بعيدة عن الروتين اليومي الذي ظل مستمراً في السنوات الماضية، فالحياة لم تقم فقط على العمل من أجل الراتب، وإنما من أجل التغيير الذي يساعد على التجدد في الفكر.

فالإنسان يقضي جل حياته في سبيل توفير مصدر الرزق له ولأسرته لفترة طويلة من الزمن، وقد تتجاوز عمر الخمسين عاماً، مما يعني أن الفترة الزمنية التي يكون فيها الجسم يمتلك القوة والطاقة تذهب من أجل العمل، دون أن يفكر في تأمين حياته لمرحلة أخرى، وعندما يصل إلى مرحلة التقاعد يجد نفسه مازال رهين الديون والمستحقات المالية للمؤسسات المالية، مما يعطي مؤشرات على وجود خلل في النمط الاستهلاكي وكيفية إدارة الموارد المالية، فيدخل في مرحلة خانقة من الظروف المالية الصعبة ويعيش مرحلة معالجة الأخطاء السابقة ولكن في وقت أصبحت الظروف فيه مختلفة.