حوكمة الشركات الحكومية

أحمد بن سليمان العبري

 

تتبوأ حوكمة الشركات أهميَّة خَاصَّة في الوقت الراهن؛ لما تعود به من نفع على الشركات والمجتمع، ولا يُوجد إجماع على تعريف الحوكمة؛ فتُعرِّفها الأمم المتحدة بأنها "عملية اتخاذ القرارات والطريقة التي تُنفذ (أو لا تُنفذ) بها تلك القرارات" (UNESCAP.2009:1)، وتعرفها مُؤسَّسة التمويل الدولية (IFC) بأنها "النظام الذي يتمُّ من خلاله إدارة الشركات والتحكُّم في أعمالها"، كما عرَّفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECO) الحوكمة بأنها "مجموعة من العلاقات التي تربُط بين القائمين على إدارة الشركة ومجلس الإدارة وحملة الأسهم وغيرهم من أصحاب المصالح".

فالحوكمة تُعنى بتنظيم العلاقة بين الأطراف الرئيسية في الشركة: المساهمين، وإدارة الشركة التنفيذية، ومجلس الإدارة؛ بحيث تُحدِّد مسؤوليات وحقوق كل طرف، وتهدف لتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة والمسؤولية والعدالة؛ من خلال وضع مجموعة من القواعد التي يجب على الشركات التقيُّد بها.

وبَرَزَت أهميَّة الحوكمة في نهاية القرن الماضي عندما كادتْ تُطيح الأزمات المالية باقتصاديات عدد كبير من الدول المتقدمة والنامية، وقامتْ الكثير من المنظمات والهيئات بتأكيد مزايا هذا المفهوم، والحثِّ على تطبيقه؛ ومنها: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECO)؛ حيث اصدرت وثيقة مبادئ حوكمة الشركات في العام 1999م -وعُدلت 2004- والتي تضمنت خمسة مبادئ؛ هي: ضمان حقوق المساهمين، والمعاملة المتساوية للمساهمين، ودور أصحاب المصالح: المساهمين ومجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، والإفصاح والشفافية، ومسؤولية مجلس الإدارة، إضافة إلى مبدأ يشكل الإطار العام للمبادئ الخمسة؛ وهو: ضمان وجود أساس لإطار فعال لحوكمة الشركات.

وتعدُّ السلطنة من أوائل الدول التي أقدمتْ على وَضْع الأُطر اللازمة للحوكمة؛ حيث تمَّ إصدار ميثاق حوكمة شركات المساهمة العامة في العام 2002، المُلزِم لكافة الشركات المساهمة العامة المدرجة في سوق مسقط للأوراق المالية وصناديق الاستثمار التي تأخذ شكل شركة مساهمة عامة. ونظَّم الميثاق: تشكيل واختصاصات مجلس إدارة الشركة، أمانة السر ومحاضر الاجتماعات، تشكيل لجنة التدقيق وبيان مسؤولياتها ومهامها، تعيين مراقبي الحسابات الشركة وبيان بعض ضوابط المراجعة، مراجعة مدى فاعلية وكفاية أنظمة الرقابة الداخلية بالشركة، تعيين الإدارة التنفيذية ومسؤولياتها، قواعد التعامل مع الأطراف ذات العلاقة، إضافة إلى الإفصاح عن تنظيم وإدارة الشركة.

وتجلَّى اهتمام السلطنة بالحوكمة من خلال إنشاء مركز عمان للحوكمة والاستدامة بموجب المرسوم السلطاني رقم 30/2015، الذي يهدف لنشر مفهوم وثقافة الحوكمة لكافة الشركات في السلطنة، وتحسين مستوى أداء رؤساء وأعضاء مجالس إدارة الشركات وإداراتها التنفيذية بكافة أشكالها القانونية، إضافة إلى إعداد اختصاصات مجالس إدارات الشركات وتحديد مسؤولياتها.

ويُلَاحَظ أنَّ المركز لم يتم حصره في نطاق شركات المساهمة العامة التي تعدُّ الهدف الرئيسي للحوكمة، وإنما تمَّت إتاحة عضويته للشركات والمؤسسات بكافة أشكالها القانونية، إضافة للأفراد الراغبين في الانضمام لعضوية المركز؛ فالحوكمة لم تَعُد حِكرًا على مجال الشركات فقط، بل أصبحت تُطبَّق في شتى المجالات؛ بهدف تحقيق الفاعلية في الإدارة، وفي هذا الشأن فقد عُقد مؤتمر في مسقط بعنوان "حوكمة الإدارة العامة: الطريق لتحقيق التنمية المستدامة في العالم العربي" خلال الفترة 16-18/12/2019م.

وتتَّجه السلطنة إلى حوكمة الشركات الحكومية؛ حيث نشرت الهيئة العامة لسوق المال مسودة مبادئ حوكمة الشركات الحكومية بموجب التعميم الخارجي رقم (11/2020) المؤرخ في 29/04/2020م؛ بهدف إطلاع الجمهور عليها، وإتاحة الفرصة لإبداء الملاحظات والمرئيات عليها.

ولا شك أنها خُطوة رائدة؛ لما لذلك من أثر إيجابي على الشركات الحكومية والاقتصاد بشكل عام، حيث إنَّ الالتزام بالحوكمة أضحى أحد أهم المعايير الأساسية التي يضعها المستثمرون في اعتبارهم عند القيام باتخاذ قرارات الاستثمار؛ لذا فإن الشركات التي تطبق الحوكمة تتمتَّع بميزة تنافسية في جذب رؤوس الأموال، إضافة لأهمية هذه الخطوة في محاربة الفساد المالي والإداري وحماية المال العام.

وإذ نُثنِي على الشفافية التي انتهجتها الهيئة في عرض  تلك المسودة على الجمهور؛ فإننا نتساءل عن مدى ملائمة مبادئ حوكمة الشركات المساهمة العامة -بعد مُضي قرابة عشرين عامًا على إصدارها- للفترة الحالية، ومقدرتها على مجاراة التطورات التشريعية والاقتصادية؛ وذلك في ضوء أنَّ المادة (20) من قانون الشركات التجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 18/2019 قضت بوضع مبادئ موحدة للحوكمة، لتلتزم بها شركات المساهمة العامة والشركات التي تمتلك الحكومة فيها حصصاً على حد سواء؟!