التحديات التي تواجه عُمان (2)

ضرورة إجراء علاجات جذرية للاقتصاد

مرتضى بن حسن بن علي

واصلت المشاكل الاقتصادية النمو بشكل مُستمر منذ خريف عام 2014، والحلول اتَّسمت بالبطء الشديد، ونأمل الآن أن تخرج من مرحلة الحضانة، فالحلول السابقة ظلت محصورة بين الاقتراض وزيادة الضرائب والرسوم على الخدمات الحكومية، وتخفيضات للدعم هنا وهناك، وكلها كانت مُسكنات تفقد فاعليتها مع مرور الزمن، ويبدأ تأثير الآثار الجانبية المؤلمة.

الموضوع المهم الذي يقلق العديد هو تفاقم الدين العام ووصوله لمستويات مُقلِقة، العجز المتراكم في الموازنة العامة سوف يدفع للحصول على مزيد من القروض لسداد الأقساط المستحقة وفوائدها للقروض السابقة، ذلك سوف يؤدي بنا إلى الدخول في حلقات مفرغة.

وعدم تنفيذ الخطط الخمسية المتتالية المرسومة من الحكومة نفسها، بسبب الافتقاد لسياسة مركزية والتنسيق بين الوزارات، كانت تعطي انطباعا بأن كل وزارة تعمل كجزيرة مستقلة ومنفصلة، ومن الصعوبة تحقيق الأهداف في مثل هذه الظروف. الأهداف الرئيسية للخطة الخمسية الأولى "1976-1980"، وما تلاها من خطط، كانت تدعو لتقليل الاعتماد على النفط، والتركيز على تنويع مصادر الدخل، وإيجاد قوة بشرية تتمتع بمستويات معرفية ومهارية عالية، وبناء قطاع خاص منتج ومتنامٍ لاستيعاب القوى العاملة الوطنية، وعدم تطبيق تلك الأهداف، أوصلنا إلى ما نحن فيه.

يُقال في الأبجديات الاقتصادية: إنَّ الفرق بين بلد فقير وغني ناتج عن اقتصاد لا يحقق قيمة مضافة لما ينتجه، وآخر يضيف تلك القيمة، فالفقر ليس فقر موارد، فاليابان وكوريا وسنغافورة وتايوان وسويسرا وغيرها تعتبر من أغنى بلدان العالم، مع أنها لا تمتلك أية موارد طبيعية، أما الكونغو الديمقراطية وغيرها من أغنى بلدان العالم في مواردها الطبيعية، ومع ذلك فإنها متخلفة، التخلف يعالج بسياسات تُبنى على قرارات سليمة وتعتمد على الموارد البشرية المتعلمة والمدربة.

السياسات التنموية هي في صميمها فن الإدارة وفن الإرادة، وبحاجة إلى أكثرية مقتنعة ومستعدة للعمل من أجلها؛ فقصر تنفيذ القرار التنموي على جهة دون أخرى، وبدون تنسيق أو رقابة إهدار لإمكانيات موجودة.

سوف أحاول أن أجتهد عن بعض الحلول لمشاكلنا، واثقا أنَّ الكثيرين يمتلكون حلولا أحسن وأوفر، وأهمها من وجهة نظري ما يلي:

1- البدء فورا بتقليل النفقات الاستهلاكية والترفيهية المستنزِفة للموازنة.

2- إعادة النظر جذريا في بند رواتب موظفي الحكومة، والتي تستنزف جانبا رئيسيا من أموال الموازنة وتؤدي للاقتراض؛ بحيث تقلل الضغط على الموازنة دون أن تُلحق الأذى بالموظفين.

3- حصر الاقتراض لتمويل المشاريع الإنتاجية المدرة للدخل والقادرة على سداد القروض من فوائدها المتراكمة.

4- معالجة ملف الشركات الحكومية التي تستنزف هي الأخرى مبالغ كبيرة من الموازنة، والتفكير ببيع بعض الأصول التجارية مثل الفنادق الحكومية في الوقت المناسب.

5- وضع خطة طموحة وواضحة لتنويع مصادر الدخل، وإيجاد فرص عمل للباحثين عنها. السياحة مثلا، سوف تدر دخلا بمئات الملايين من الريالات، وتوفر عشرات الألوف من الوظائف في جميع أنحاء عمان، كما ستسهم في التنمية الاقتصادية الاجتماعية.

6- تشجيع جذب الاستثمارات الأجنبية، ورفع كل العوائق التي تحد من تدفقها، حيث إنها تساعد على تدفق النقد الأجنبي، وخلق الوظائف وتنمية النشاط الاقتصادي. عدد كبير من الدول تتنافس لجذب الاستثمارات، وتقديم عدد من المزايا لجذبها؛ منها: تقديم إعفاءات ضريبية مغرية لفترة، وتجهيز بنى أساسية متقدمة، وتوفير عمالة ذات مهارات عالية، وسن قوانين عمل مرنة، وبنوك معلومات متدفقة، ونظم قضائية متطورة، وأماكن ترفيهية متعددة، وتقديم الطاقة بسعر تفضيلي، والأرض بأجر رمزي، وكثير من الحوافز الأخرى. الاستثمارات تساعد على توطين الصناعة، وتعزز المهارات الوطنية، وتقدم أحسن الأساليب الإدارية والتنظيمية والتسويقية وتفتح أسواق للصادرات.

7- الانتقال من مرحلة بيع النفط الخام والثروات التعدينية، والصيد البحري التقليدي، إلى مرحلة تصنيعها واستخراج المشتقات منها، ومنحها قيمة مضافة، وتصديرها، والحصول على النقد الأجنبي، وخلق آلاف فرص العمل.

يُمكن استخراج مواد عديدة من النفط واستعمالها في صناعة الأدوية والأسمدة ومواد التجميل والعطور والكيماويات...إلخ، وكلها تضيف قيمة مضافة وتخلق ثروات جديدة وتوفر الآلاف من فرص العمل.

مياهُنا تحتوي على كميات هائلة من الأسماك، والأسماك: صيد وتقطيع وتعليب وتصدير واستخراج السماد والزيوت، والصناعة مغلة للدخول ومعززة للثروة الوطنية وتزيد من آفاق التصدير، كما أنها تخلق الآلاف من فرص العمل.

8- إيجاد الحلول لاستيعاب الباحثين عن عمل، يحتاج إلى نمط جديد من التفكير بعيد عن الأنماط السابقة، والتي أثبتت عدم نجاحها. المشكلة تهدد الاستقرار الاجتماعي، ولن تنحل عن طريق تغليظ القوانين، دون معرفة لجذور المشكلة. ويتوهم من يعتقد أن وزارة القوى العاملة مقّصرة. ومن الصعب على القطاع الخاص الصغير، والمعتمد على إنتاج الخدمات، استيعاب الجزء الأكبر منها. مشكلة الباحثين عن عمل مشكلة تنموية اقتصادية تعليمية تدريبية واجتماعية. ومن الصعب إيجاد حلول جذرية لها دون الاهتمام بموضوع التنمية. العملية مرهونة بتوسيع آفاق الاقتصاد، وجذب الاستثمارات، وإقامة المشاريع الصناعية والسياحية، وتحسين التعليم والتدريب، إضافة لإنشاء الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل صحيح، يؤدي لتوفير فرص العمل في المناطق المختلفة خارج محافظة مسقط. ذلك يحتاج إلى استدارة فعلية في السياسات، بحيث تُعطى تلك الشركات أهمية، لا تقل عن أهمية المشاريع الكبرى، التي تحتاج أضعافَ ما تحتاجه تلك الشركات من المال والجهد.

9- من الصعوبة التقليل من أعداد العمالة الوافدة أيضا، من خارج أطر السياسات الاقتصادية والتعليمية والتدريبية. الحلول هي بإعادة تكييف الطلب على العمل؛ بحيث تؤدي لإيجاد طلب على العمالة الماهرة جدا، وتعليم قادر على تخريج طلاب ذوي مستويات تعليمية وتدريبية ممتازة. قدرة القطاع الخاص لا تعتمد فقط على حجم نشاط الأعمال وتنوعها، بل على نوعية هذا النشاط، ودرجة اعتماده على إنتاجية العمل، كمحرك للنمو الاقتصادي المستدام. القوة العاملة الوافدة، هي في أغلبيتها من فئة العمالة قليلة المهارة، لكنها مستعدة لأن تتعلم وتعمل لساعات أطول، وبأجور منخفضة، وهي نوعية لا يقترب منها المواطن. القطاع الخاص يرى أنَّ عملية توظيف مثل هذه العمالة قليلة المهارة أرخص له من تكلفة الاستثمار في وسائل إنتاج ذات كثافة رأسمالية عالية، لكنها تحتاج إلى عمالة متدربة، وكفوءة، بأعداد أقل جدا من تلك التي يستخدمها الآن. وكل ذلك بحاجة لتغييرات في السياسات القائمة، والتوجه نحو سياسات الأتمتة الموفرة لهذه الأعداد من العمالة الكثيفة.

نحن بحاجة أيضا الآن من أي وقت مضى، لتوضيح الامور بكل شفافية للمواطنين. ذلك سيساعد على إجراء مصالحة مجتمعية حقيقية قائمة على ركائز الدول الحديثة، منها تطبيق القانون على الجميع، وتعميق روح الانتماء. فحالة الاحتقان الموجودة لا بد أن تنتهي، بحيث يدرك الجميع أنَّ معالجة المشاكل المتراكمة تحتاج عمليات تضحية قد تكون مؤلمة. وفي ظل هذه المصالحة سيحقق الاقتصاد طفرة. الأكثرية ستزيد إنتاجيتها لمساندة اقتصاد بلدها، وقرار حكومتها، وإن كان تقشفيا وصعبا. أما أن يرى المواطن تفرقة في المزايا والعطايا والأراضي والمبالغ المالية والعلاج المجاني في الخارج، حسب السلم الاجتماعي، وإن المزايا المادية تُمنح لفئات معينة بدون حساب، بينما يُطلب من المواطنين تقديم التضحيات، فإنه سيقاوم أي محاولة للتغيير، حتى وإن كانت لصالحه في المدى المتوسط والبعيد.