تنبؤات حمقى أم هذيان مُثقف؟!

 

 

عائض الأحمد

عِندما تجعل حياتك ومستقبلك رهنَ تنبؤات، وأفكار، وأحلام، ورؤى شاهدها الصالحون ويفسرها أهل الصلاح، وأنت فاغر فاك تنظر ذات اليمين وذات الشمال، فأنت تسلِّم عقلك وكل ما وهبك الله لغيرك، يتلاعبون بك، بأحلامك، بوقتك، بمشاعرك، ويستنزفون طاقتك وكأنك أسير تنتظر يوم الإفراج عنك ورحمة سيدك.

الملاحَظ أنَّ وسائل الإعلام بكثرتها لم تعُد بتلك المصداقية والرزانة وتحرِّي الحقيقة، فهي تستطيع أن تنشر خبريْن لشخص واحد، يتنبأ هنا بشيء، ويأتي بعكسه تماما هناك، ويعلم أنه لن يُسأل كيف ولماذا.

طالما الإعلام يفرد كل هذه المساحة ليقولوا ما يشاؤون لعلهم يلحقون بالخبر اليقين الذي لن يأتي، ونحن نسير خلف أكاذيبهم وتخبطاتهم وسبقهم المحموم المتورم المشؤوم، المتفرد في شيء واحد فقط: الكذب نقلًا عن فلان ابن فلان في جزيرة الموتى تحت أحافير المدفونين أحياء، دون أن ينطقوا حرفًا واحدًا؛ فهذا ما صنعت أيديكم فذوقوا صنيعة إعلامكم.

يستضيفُ أحدُهم رجلًا لا تعرف أيهم أقرب نفعًا للبشرية، الديك أم هو؛ فيقول: "سرك في ديك أعور، فطوره اليوم سبع حبات من الشعير، ولون عرفة أزرق يميل إلى اليسار دائمًا، فلعله خليفة من الجن؛ خذ ريشة واحدة فقط واقرأ عليها ما تيسر من الشعر "إذا ما الجهل خيم في بلاد، رأيت أُسُودَها مسخت قرودا".

رحم الله الرصافي، لم يكن يعلم أن تسود القرود ويعلو شأنها.

فماذا تقول ونِسَب المشاهدة غير متوقعة من أجل من يُنبئ بنهاية العالم في يوم الأحد، عندما تشير ساعته إلى خلو عقولنا من احترام ذواتنا، وهو يستمرُّ في الهذيان ونحن نربط الأحداث ونعود إلى أقواله نستشهد بها، كلُّ هذا الخواء الفكري يُصاحبه شعور بائس وتَرقُّب مُخِيف للمستقبل؛ فنقع ضحية صراع العقل وهوى النفس في سماع ما قد تتوق إليه من أحداث مستقبلية لن تشاهدها إلا على صفحاتهم، ومن خلال عروضهم الإعلامية التي يديرها محترفو الإعلام الرخيص.

الظواهر تحدث، وترافقها أزمة أو فعل غير متوقع، وهنا لن تجد مَفرًّا من ظهور الخوارق والنواطق وأصحاب الكرامات، ومن صَام دهرا ثم عاد فيلسوفًا يصنع الحدث ونقيضه، بناءً على دراسات في إحدى غرف منزله العامر بالكذب وقصاصات بقايا إنسانيته.

-------------------------

ومضة:

التفاصيل الصغيرة تخلق الريبة والشك.. يقول الأحمد: "لا تظن أن الجميع سيبادرك بالتهنئة.. فتقف طويلًا هنا".