الوعي قبل الشكر!

جيهان رافع

ربما لا نستطيع اجتياز الأوقات الصعبة بأقل الخسائر من صحتنا النفسية لكن كانت وما زالت ترافقنا حالات تدهش من هو خارج المشكلة أحيانًا، كأن نعتمد على قدرة الطبيب على حل أصعب المشاكل الصحية مثلًا، فنسلم أمرنا لله وله ونسير خلف إرشاداته لنصح.

لكن عندما تكون المشكلة الصحية عامة وليست خاصة فعلى من سنعتمد؟ هل من الممكن إيجاد إجابة تمكننا من المحاولة الجماعية المتقاربة فكرًا وليس جسدًا؟ نعم نستطيع إن توصلنا إلى الإجماع على أن نكون بصوت واحد وفعل واحد وكأننا نشجع على التكاتف على مبدأ هاشتاج (#بإرادتي_أساند) طبعاً أساند الجيش الأبيض الذي يقف على خطوط التماس المباشر مع عدو العالم وعلى الجبهة الأولى مقابل الموت، كما يقف الشرطي وضابط الجيش ويذكرنا بمقولة غسان كنفاني: "إنّ الحياة لا قيمة لها قط إن لم تكن دائمًا تقف قبالة الموت" بالطبع كان يقصد حالة النضال بشتّى أنواعه ضد المستعمر يعني باختصار أساند نفسي لأدعم وطني.

اليوم الطبيب وكل عامل في حقل ألغام الوباء يقوم بهذا النضال مع اختلاف الصورة فقط ومن دون أن يعلم متى ستنتهي حياته أو هل سيصل إلى الضفة قبل خط النهاية بقليل، وبهذا نعلم جيدًا ما يفكر به الأطباء والممرضون وغيرهم من جنود الحماية فهم بخجل يريدون أن يخبروننا: بقلة وعيكم واستهتاركم بالكارثة وذهابكم بكل قواكم الجسدية والعقلية إلى أحضان الفيروس ترمون بنا في قلب التهلكة وتلقون على قبورنا الورود وتتلون على أرواحنا آيات المغفرة والرحمة ثمّ تقولون لنا شكرًا! نحن لسنا بحاجة لشكركم وكلماتكم وأغنياتكم وألحانكم نحن بحاجة ماسة لعقولكم ووعيكم واهتمامكم بأنفسكم وابتعادكم عمّا يجرّنا ويجرّكم وأحبابكم نحو الهاوية فما نفع الشكر حين فقد الأحبة أو أذية أنفسكم وأذيتنا؟ نحن وإياكم مطالبون أمام الله وأمام أنفسنا بتحكيم العقل والتزام الحذر.

ربما في هذه المرحلة نتذكر كم كنَّا دائمًا على قلق؟ كم كنَّا نظن أن هذه الحياة مصنع لزهوٍ فارغ وكأنها مسرحية بلا جمهور ونستمتع  بمشاهدة صور عابرة وقراءة عبارات تتغنى بالزهد في الحياة كأننا أردنا زراعة التجاعيد بوجه آمالنا ووضع سمادٍ بأرض تشاؤمنا حتى تتساقط أشجار فرحنا في عزّ ربيعها نتذكر أنَّ هذه الشطآن كانت تعجّ بالبساطة والسعادة المؤقتة وأنها كانت تنادي على صمتنا ليأتي إليها على أقدام بوحه الأقوى وأن مقاعد الحب كانت تنتظر الصادقين والكاذبين معًا لتخضرّ فرحًا ببعض الكلمات الناعمة المنعشة للهفة القلوب المقفلة، وأن هذه المآذن كانت تمتلك أجنحة تطير بأصواتنا وصلواتنا وأدعيتنا نحو السماء للقاء الله من أجلنا فالمساجد تشمخ بانحناءة كل مصلّ حدّ السماء ولو امتلكت فمًا لقالت لنا: عززوا وجود الله في قلوبكم وتصرفاتكم وألسنتكم قبل أن تتجهوا نحوي، ارفعوا من شأن الإنسانية ومن هيبة مخافة الله ببعضكم قبل أن تحاولوا رفع مراتبكم وتكسير مجاديف غيركم كي يستجيب ويرفع عنكم ما ابتلاكم به.

والآن كل الأماكن تخلو منّا كي نعود لها ودور العبادة تخلو منِّا لكن نحن لا نخلو من لهفة العودة إليها، ويبقى السؤال: كيف سنعود؟ هل سنعود ونحن لا نثق حتى بأيدينا؟ أو سنعود ونحن نتمتع بنظافة عقلية وفكرية وقلبية مستفيدون مما جرى ومدركون أنّ الحياة ليست لعبة في كمبيوتر أو على شاشة موبايل وتنتهي بكبسة زر، الحياة آثار جميلة خالدة تتركها خطى قلوبنا وكلماتنا وأفعالنا، الحياة تُريد أن تحيا بنا قبل أن نحياها.

فلا داعي لشكر الطاقم الطبي وكل عامل في مستشفى كل شرطي أو متطوع، دعوهم هم يشكروننا على اهتمامنا بأنفسنا وبأوطاننا بتكاتفنا وبإرادتنا مما يؤدي إلى نجاتنا ونجاتهم من براثن هذا الوباء.

شكرًا لكل واعٍ قدَّم وعيه مثالًا يحتذى.