"كورونا" إشكالية البحث والتأريخ!

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

"التاريخ يعلم الإنسان الدروس، ويجعله أكثر وعياً وأقدر على اتخاذ الخطوات المناسبة"، عبد الرحمن منيف.

نُعايش هذه الفترة من الزمان خطر وباء كوفيد 19 أوما تمّ تسميته بكورونا، وقد تأثرت مناحي الحياة الطبيعية في شتى أنحاء العالم بتبعات وتأثيرات هذا الوباء الخطير، وبطبيعة الحال تعتبر هذه الفترة من الزمن مرحلة تاريخية مهمة، ستكون ولاشك لها تأثيرها في التأريخ للتاريخ المعاصر، وعلى كافة الأصعدة، إذ تأثر الجميع وتأثرت كل القطاعات الحياتية بما حدث ويحدث إزاء الوضع الراهن.. وبالطبع الحديث عن الوباء لا تكفيه كتب وليس مقالات فحسب.

أغلب الدول حالياً طبقت أومازالت تطبق أنظمة حظر تجول جزئية أو شاملة، ولاشك ستجد مؤرخي هذا الزمان كلا" بحسب اهتمامه أو تخصصه يكتب ويدون يومياته، وتطورات الوباء وماجرى ويجري وستجد من يتنبأ بما سيجري مستقبلاً، نعايش الآن فترة تاريخية فاصلة لن تسقط من سجلات تاريخ المُستقبل والأجيال القادمة، وهنا سيعتمد التأريخ على اهتمام كل شخص يؤرخ بحسب اهتمامه / تخصصه/ أوحتى إقحام وجهة نظره، من الصعب إيجاد وجهة نظر متفق عليها، سهل الاتفاق حول حدث حادث كون أنه أمام الجميع ويعايشه الجميع، إنما الاختلاف يمكن في صيغة التأريخ وإشكاليته!

سأذهب إلى الأدب الروائي، وهو فن أدبي له شأن كبير في زمننا هذا، وبعض الروائيين يستدخلون التاريخ وسط أو بين سطور رواياتهم، لذا أعتقد أنه سيكون مستقبل الروايات الأدبية في المستقبل على شاكلة: حدث في زمن كورونا، أنا وكوفيد 19، مواجهة مع الوباء، والحب في زمن كورونا.. عناوين مثيرة أليس كذلك؟!

بالطبع لا أقصد انتزاع ابتسامة من وراء الوصف السابق، لكنني فعلاً أعتقد ذلك، بل قد يصل المجال لأمور أخرى ستكون كورونا هي الحاضر الأبرز بها.

من المهم ألا ننسى أنَّ الوباء الحالي يأتي في وقت زحمة المعلومات، في عصر الأجهزة الذكية والإمكانيات الضخمة لنقل أي حدث بظرف ثوانٍ، في زمن أن كل إنسان باستطاعته القيام بما تقوم به وزارة إعلام كاملة، إذ بواسطة جهازة الذكي بإمكانه التوثيق والتعليق على أي حدث، وإيصال مادته إلى كل مكان ربما بشكل أسرع من الوسائل الرسمية، وهنا تكمن خصوصية العامل الزمني، لتأريخ الوباء، فبعد اعتماد المؤرخين على المخطوطات وبعدها في العصر الجاهلي على شاعر القبيلة، ومرورا بكتابات مُؤرخين في الأزمنة اللاحقة، لن نستغرب أن تكون الأجهزة الذكية أدوات تأريخ لمؤرخي المستقبل، الوقت يتطور وتتبدل أدواته..

سيكون المُستقبل على موعد مع تقارير وأبحاث وكتب وحتى مسلسلات وأفلام سينمائية، وستجد كل مؤلف يصرف ويسلك وجهة نظره أثناء عمله في بحثه أو كتابه أو حتى عمله المرئي، بل من الملفت أنَّ هناك أعمالا تليفزيونية ماتزال تعرض على الشاشات الرمضانية وتتطرق بشكل مُباشر في بعض مشاهدها إلى كورونا، أي أن التفاعل سريع ولم ينتظر مؤلفو المسلسلات وقتا أكثر.

نخرج من أجواء المستقبل قليلاً وسأحدثك عن خبر طريف يحتوي على مفارقة وهو هل تعلم أنه في الثمانينات من القرن المنصرم كانت شركة تويوتا للسيارات تنتج سيارة اسمها "كورونا" وكانت ذات قبول كبير بين النَّاس تلك الفترة الزمنية؛ ولاشك شتان بين كورونا الثمانينات وبين كورونا 2020!

أهم العلوم التي ينبغي التعلم منها وأخذها في الاعتبار هو علم التاريخ، التاريخ يرافقنا منذ بدء الخلق، كل شيء له تاريخ، سواء في العلوم التجريبية أم العلوم النظرية والإنسانية، هل تعلم أن الفيزياء لها تاريخ، الكيمياء لها تاريخ، حتى قنينة المياه الغازية لها تاريخ وربما متاحف، إنَّ التاريخ هو الدم الذي يجري في حياتنا، هو ماضينا هو الحاضر هو المستقبل، لذلك سيكون لكورونا تاريخ شخصي مع كل فرد، وتاريخ وطني مع كل وطن، وتاريخ دولي مع شؤون العلاقات الدولية قبل وأثناء وبعد (بإذن الله) جائحة كوفيد 19، إن أعطانا الله عمراً ويسر للبشرية التخلص من هذا الوباء، سنرى ونشاهد ونقرأ آلافا بل ملايين القصص والحكايات عن هذا الوباء..

هذه طبيعة الحياة، والتاريخ هذا ديدنه!