هل زاد الماء على الطحين؟!

 

غسان الشهابي **

** كاتب بحريني

كعاداتها الأثيرة، حاولت أكثر الدول العربية المراوغة في بدايات أزمة كورونا، بعضها أخفى عدد الإصابات، وبعضها أنكر أن تكون لديه إصابات، وكأن الإصابة عيباً أو قادحاً في الشرف والأخلاق، وبعض الدول ادّعت في البداية أنها الأفضل عالمياً في التعامل مع الجائحة، والعامل المشترك بينها ادّعائها بأن الإشادات الدولية تنهال عليها، من الدول الكبرى، التي ابتليت تالياً، ومن المُنظمات العالمية بكل أنواعها، في تصديها لهذا الفيروس في تعاملها مع المصابين، وكذلك في شفافيتها.

ومن المتابعات الإقليمية وما هو أبعد من ذلك، أكاد ألمح تغير سحنات الناطقين باسم الوزارات والأطقم، الوجوه المُطمئنة المُستبشرة وقد بان عليها التعب والإرهاق، وبل وربما ارتسمت على بعض الملامح، سمات الخيبة وشيء من اليأس. ولام الله من لامهم.

لقد لوحظ في الكثير من الدول العربية أنهم لم يتعظوا مما حدث في إيطاليا عندما أدار الناس ظهورهم للفيروس ومارسوا حياتهم الطبيعية، فأخذت الأعداد تتزايد من المصابين، وبات الضحايا بالآلاف، الأمر الذي أنكره الأمريكيون لبعض الوقت، وما انتبهوا حتى اجتاحهم الفيروس الذي بات أكثر توحشاً وشراسة، فصارت الولايات المتحدة الأولى عالمياً لتصل إلى 75 ألفاً مع لحظة كتابة هذا المقال.

يبدو أنَّ مجتمعاتنا قد تخطت العتبة الأولى من التعامل مع الفيروس، وهو الخوف والحذر حدّ الوسواس، صارت تتعايش معه، وتتصادق معه، وربما تتسامح معه، حتى إن أودى بحياة البعض. وهذا ما شهدناه بعد أيام قليلة من بداية شهر رمضان الذي بدأ بشد أحزمة الالتزام إلى حدّ ما، وما لبث هذا الحزام أن انقطع لدى البعض، فعاد الفطور الجماعي، و"الغبقات" والاحتفال بليلة النصف من رمضان على مُسمياتها المختلفة خليجياً، فأخذت الحالات – عربياً وخليجياً – تتصاعد في منحنى خطير يقول أحياناً "اشتدي أزمة تنفرجي"، وأحياناً يقول بأننا في بداية الصعود إلى القمة لأننا ننتظرها تبدأ في الانخفاض وهذا الأمر لا يلوح في الأفق.

إنَّ الدول التي تحاول أن تمسح بالفحوصات أكبر قدر من سكانها، تكتشف مساحة المشكلة لديها، وتتكشف لها أرقام قد تتوقعها وقد لا، ولكن الأخطر لدى من يخشى إلى الآن النظر تحت السجادة حيث اجتهد ألا يرى العالم أن بلاده موبوءة.

الخشية ليست من ارتفاع العدد، ولكن كل الخشية من انفلات الأعداد بحيث لا يمكن للطواقم الطبية التي عملت بأقصى طاقاتها في كل الدول أن تتهاوى من التعب، ولا يعود في مقدورها المضي بنفس الوتيرة في المداومة، حينها ستصدق المقولة الشعبية "زاد الماء على الطحين". كل الخشية أن تقف هذه الأطقم البطلة الشجاعة كمن بذل كل طاقته في السباحة للوصول إلى الساحل، فلما نظر أمامه ونظر خلفه... وجد الشوط طويلاً والسواعد غزاها التنميل!