التعوُّد على الصعاب والمحن

 

 

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

ما يحدُث هذه الأيام من تراخٍ واستهتار بخُطورة وباء كورونا (كوفيد 19) هو التعوُّد على المصائب والجوائح والنكبات؛ تماماً كالسماع عن غزو واجتياح بلدٍ ما، وتدمير البُنى الأساسية، وتقتيل الشعوب وتشريدها من أوطانها.

ففي البداية نُفجَع بمِثل هذه الحوادث التي نَسمع عنها من خلال وسائل الإعلام المختلفة، فنُهلِّل ونكبِّر، وندعو الله تعالى أن يُفرج كرب تلك الدول المنكوبة وتلك الشعوب. ومع مرور الوقت، وتوالي الضَّربات لتلك البلدان، وسقُوط الضحايا وتشريد ملايين السكان، تُصبح هذه الأخبار أمراً مألوفاً لتكرار سماعها للأسف، ولا يحس بها إلا صاحب الضرر المباشر.

فالشُّعوب المنكوبة في سوريا وليبيا والعراق واليمن لا يشعُر بها إلا الذين يُعايشون الوضع أنفسهم، وقبل ذلك الشعب الفلسطيني المُحتلة أرضه، وشعبه الذي يعيش في الشتات في مختلف بقاع العالم؛ فالأخبار التي تَصِلنا عن أوضاعهم مُؤلمة؛ فالبعض كي لا يتأثَّر ولا يحس بالضيق والألم يغلق التلفاز والمذياع للهروب من سماع هذه الأخبار المؤلمة، في حين لا يجد الواقع تحت وطأتها مفرًّا سوى الرضا بقضاء الله وقدره، فالمسألة عنده ليست خبرًا يمر، وإنما معايشة للوضع واكتواء بالألم والمرارة.. كان الله في عون المكظومين.

واليوم، ونحن نتابع الأخبار المحلية والعالمية عن هذا الوباء، ونعيشه لحظة بلحظة؛ فقد بدأ الهدوء يدب إلى النفوس، والاستسلام والتعايش أصبح الوضع السائد، ومع ذلك بدأ التهاون والاستهتار بالتعليمات التي تصدرها الجهات الرسمية.

فبدأت قوافل الرياضات الليلية تنتشر في عدد من الولايات بأعداد وجماعات كبيرة، وهناك أصحاب الدراجات الهوائية الذين يتجمَّعون لتنظيم ماراثونات جماعية، ضاربين عرض الحائط بالنصائح والتوجيهات في الالتزام بالبقاء بالمنزل.

كان الناس يترقبون يوميًّا البيان الذي تُصدره وزارة الصحة، وكان هناك تخوُّف وألم من سماع الأرقام المتصاعدة في عدد الإصابات بالمرض، والصدمة الأكبر عند الإعلان عن أول حالة وفاة في السلطنة، فقد كان الخوف كبيراً من هذا التصعيد للوباء في بلادنا، وكان هناك تخوُّف والتزام بالتعليمات الصادرة، حتى اقترب شهر رمضان المبارك، فتناسَى كثيرٌ من الناس خطورة هذا الوباء، فهبوا إلى المُجمَّعات والمراكز التجارية لشراء مستلزمات شهر رمضان المبارك، وكأنه لا تُوجد مشكلة، فحدث الزحام في الأسواق وكأننا على أبواب مجاعة لا سمح الله.

ومع دخول الشهر الفضيل، بدأ البعضُ يتواصل مع خياطي الملابس وخاصة النسائية؛ مما تسبَّب في كثير من العدوى بالمرض.

ففي بداية انتشار المرض، كُنا نشاهد كثيرًا من الناس يلبسون الكمامات وقفازات اليدين وهم يسيرون في الطرقات متفردين، ولا شيء يستدعي لهذه الوقاية، واليوم نلاحظ انحسار ذلك الاهتمام؛ فحتَّى في الأماكن المغلقة والمزدحمة كالأسواق والمراكز التجارية، فإنَّ هذا المشهد يكاد يختفي، فأصبح الوضع اعتياديًّا وكأنه لا خطر منه.

واليوم.. ونحن نستمعُ إلى النشرات اليومية للإصابات، والذي لم تخلُ منه محافظة من المحافظات لا نرى ذلك الاهتمام وذلك الخوف، رغم الإعلان الرسمي بأننا لم نصل إلى مرحلة التشافي.

من هُنا، تأتي قاعدة التعود سواءً على المحن والمصائب، أو حتى على النعم والتعود عليها.