جابر حسين العماني
إدارة الشأن الاجتماعي تحتاج إلى إدارة حكيمة واعية ومسؤولة، فالمسؤول القائد العارف مهما كانت قدراته وكفاءاته العقلية والجسدية والروحية، فهو لا يستطيع تحمل الإدارة بمعزل عن الآخرين، فهو بحاجة ماسة إلى العديد من الموظفين الأكفاء الذين يمتلكون الخبرات الواسعة والإمكانيات اللائقة في تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم والتي تعينهم لمساعدة القيادة بشكل أفضل في خدمة الوطن والمواطن.
إنّ الجهات الحكومية بموظفيها وأدواتها الرسمية هي من القنوات الهامة الرابطة بين الحاكم والمحكوم، ومن خلالها تصل الكثير من القضايا الاجتماعية إلى الحاكم وتسن الأنظمة والقوانين، وتطبق على الجميع بهدف تنظيم المجتمع وازدهاره ونجاحه، لذا ينبغي أن تكون الجهات الحكومية للدولة جهات صالحة، سليمة، نزيهة، منظمة، قوية في خدمة البلاد والعباد بعيدة عن الفساد والإفساد الإداري والقانوني، فبها حتما سيعم الخير وبدونها سيحل الفساد.
ومن أجل الحصول على جهات حكومية نزيهة وصالحة لا تعرف الكلل والملل في خدمة البلاد والعباد، لابد من مراعاة الآتي:
-الاختيار الواعي والدقيق للموظفين: لاسيما اختيار أصحاب المناصب والوظائف الكبيرة، لذا لابد من مراعاة عنصر الأمانة والكفاءة، بحيث يكون المسؤول في الدولة أمينا على ما هو تحت يديه من مقدرات وإمكانيات، فلا يصح له أن يضع شيئا إلا في محله ومكانه الأنسب، وأن لا يسيئ إلى منصبه ووطنه، وأن يعلم أن عمله ومنصبه تكليفي وليس تشريفي، فهو وجد من أجل خدمة الوطن والمواطن، فلا يصح له أن يكون مقصرا تجاه عمله او مستغلا منصبه ومكانته من أجل خدمة أموره الشخصية، بل عليه ان يكون أهلا للمسؤولية ومخلصا ووفيا لعمله وبلده وقائده .
لذا عندما نتأمل القرآن الكريم وقضية الإخلاص للمسؤولية نجد القرآن الكريم يذكرنا بنبي الله يوسف عليه السلام: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾.
- الرقابة الحقيقية للجهات الحكومية
لقد كانت الرقابة في الدولة الإسلامية موجودة وبقوة، بل تحولت إلى دائرة ومؤسسة تعمل على احترام القانون، وكان من إحدى أهدافها الرقابة الحقيقية على موظفي الدولة في الجهاز الوظيفي، وتقويم سلوكهم واهتماماتهم الإدارية والوظيفية، لذا فإن الوظيفة في الإسلام لم تكن لكسب المال فحسب بل كانت - قبل كل شيء - هي الأمانة والمسؤولية التي تحمل الكثير من الإخلاص والنزاهة للوطن والمواطنين، روي عن خليفة المسلمين أمير الكلام وسيد البيان الإمام علي بن أبي طالب أنّه قال في كتابه لواليه على أذربيجان أشعث بن قيس: "وإن عملك ليس لك بطعمة ولكنه في عنقك أمانة" لذا ينبغي على الموظف احترام المواطنين وخدمتهم بكل إخلاص وتفاني.
كان خليفة المسلمين العادل علي بن أبي طالب يركز دائما على وجوب احترام الموظفين للناس، ففي عهده لمالك الأشتر حين ولاه على مصر، كتب له خطابا قال له فيه: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سَبُعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق))، وفي خطاب الإمام علي بن أبي طالب إشارة واضحة وصريحة وهي: أهمية احترام الجانب الإنساني في خدمة المواطنين وإن اختلفوا في انتمائهم الديني أو المذهبي.
هناك من الموظفين من يرى من نفسه أنّه الواحد الأحد الذي ليس كمثله أحد، فيربط مصالح الناس بتوقيعه الخاص ليقوم باستغلال وظيفته ومنصبه من أجل مصالحه الخاصة، وبالتالي يتسبب بجرح كرامة ومشاعر الناس وانتقاصهم، وهو بهذا السلوك لا يسيء لنفسه فحسب بل يسيء إلى وطنه العزيز الذي استأمنه ورفعه إلى هذا المنصب الكبير الذي وصل اليه.
إنّ الوطن بحاضره وماضيه ومستقبله وثرواته وإمكانياته وطاقاته أمانة في أعناقنا جميعا، فلابد أن نعمل مخلصين متفانين في نجاحه وازدهاره وتوفيقه بأداء الأمانة، والقيام بالواجبات الوطنية في خدمة المصلحة العامة، فكل واحد منا يعيش على تراب هذا الوطن لابد أن يتحمّل المسؤولية الكاملة الملقاة على عاتقه بتقديم الأفضل والأكمل والأجمل تجاه الوطن والمواطن.