طلبت اللجوء إليها.. والسبب "كورونا"!

 

 

د. مجدي العفيفي

 

 (1)

في شارع الصحافة.. ومن نافذة الكتابة المنتظمة يوميًا أو أسبوعيا.. إذا أراد الكاتب أن يقرأ الناس ما يطرحه، أمامه خياران، لا ثالث لهما.. فإما أن تكتب في موضوع يشغل بال الناس والمجتمع، وإما أن تشغل بال المجتمع والناس بموضوع ما..

وفي اللحظة العالمية الراهنة، لا شيء يشغل الدنيا بأسرها إلا أزمة فيروس كورونا.. لكن هناك ضجيج ولا طحن.. الأزمة أطاحت بالعالم بقدر ما أحاطت بها التشخيصات المملة، مللنا من الأحاديث، الفيروس يستشري بكل ما لديه من توحش، والعالم ينكمش أمامه يسلم له ويستسلم إذعانا وانقيادا وعجزا عن مواجهته..

فإن تحدّث الكاتب للقراء ازدادوا ضجرا مثل ذلك الرجل الإيطالي الذي ظهر في فيديو وهو يحطم جهاز التليفزيون في بيته احتجاجا على الثرثرة التي تجاوز تأثيرها تأثير كورونا نفسه..!

 وفي الوقت ذاته إذا ابتعد قليلا عن التداعيات المرعبة للحظة الكورونية الراهنة فلا يمكنه أن تكتب بصدق ومصداقية ..!

فماذا أنت فاعل أيها القلم في هذا الألم..؟!. لقد حاولت ..

(2)

 رحم الله أستاذنا توفيق الحكيم، فقد بث فيَّ هذه العادة القيمة، إذ كان يحتفظ في جيبه بمفكرة صغيرة، يسجل فيها ما تعجبه من حكمة نادرة، أو قول مأثور، أو عبارة مضيئة، وكان كما قال لي في إحدى جلساتي معه، يغيرها كل بضع سنين، فهي مخزون خلاصة تجارب حيوات الآخرين، والحياة تتواصل والأجيال أيضا. وللأفكار أجنحة، لا تحدها حدود، لاسيما إذا كانت قادرة على اختراق الزمان وتجاوز المكان والتحليق داخل الإنسان...

ومنذ اقتربت من شيخنا في منتصف عقد السبعينيات مع أولى خطواتي في شارع الصحافة حتى رحيله رحمه الله في 26 يوليو 1987 وأنا أعتز بهدا التقليد إلى يومنا هذا، على الرغم من تنوع وتطور وسائل حفظ وتخزين المعلومات.. إنها عملية انتقاء واصطفاء لكلمات ورؤى.. ورحيق تجارب حياتية، وحريق تفاعلات مع التحولات في الزمان والمكان.

أستدعي جماليات "المفكرة الخاصة" في هذه الأجواء التي تخضع خضوعا مرعبا للإمبراطور (كورونا) الذي يتضاءل دونه العالم بقواه العظمى والصغرى، بلا استثناء، ويرتعد منه الذين يمتصون دماء الشعوب بغطرستهم وصلفهم وها هم يمارسون (السباق نحو اللقاح) بعد أن عذبوا البشرية بـ (السباق نحو التسلح)..!.

سكون وركود وكمون وترقب ورعب وترقب... و..و... كل مفردات هذه العائلة المرعوبة من (شيء غير مرئي) تعجز عنه مواجهته كل تكنولوجيا هذا العالم الذي أخذت أرضه زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها.. أتاها (كورونا) إن كان حقيقة وليس وهما (والعلم عند الله القادر.. القدير.. المقتدر..).

 طلبت اللجوء إلي أوراق مفكرتي التي بلغ عمرها أربعين عاما أو يزيد، قلبت بعض سطورها فقالت لي:

 (3) مفارقات:

 * سقطت شجرة فسمع الكل صوت سقوطها. بينما تنمو غابة كاملة ولا يسمع لها أي ضجيج ! (أبو حامد الغزالي قبل حوالى ألف عام )..!

 * ﺗﺒﻴﺾ ﺍﻟﺪﺟﺎﺟﺔ ﺑﻴﻀﺔ ﺯﻫﻴﺪﺓ ﺍﻟﺜﻤﻦ ﻓﺘﻤﻸ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ بقيقا، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻀﻊ ﺍﻟﺴﻤﻜﺔ ﺍﻵﻻﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﻓﻴﺎﺭ ﻏﺎﻟﻲ ﺍﻟﺜﻤﻦ ﻭﻫﻲ ﺻﺎﻣﺘﺔ.. ﻭﻫﻨﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ (إنجازك يتحدث عنك)

* السؤال: ﻟﻤﺎﺫﺍ يرفع ﺍﻟﻤﺘﺨﺎﺻﻤﻮﻥ ﺃﺻﻮﺍﺗﻬﻢ ﻭﻳﺼﺮﺧﻮﻥ ﻓﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻭﻫﻢ ﻗﺮﻳبون ﻣﻦ ﺑﻌﺾ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: لأﻥّ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﺑﺘﻌﺪﺕ، ﻓﻴﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺮﺍﺥ ﻹﻳﺼﺎﻝ ﺃﺻﻮﺍﺗﻬﻢ.. ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺘﺤﺎﺑﻴﻦ ﺗﺠﺪﻫﻢ ﻳﻬﻤﺴﻮﻥ ﺃﻭ ﺗﻜﻔﻴﻬﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮﺍﺕ ﻷﻥّ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻊ !!.

* اللسان ليس له عظام: فعجبا كيف يكسر بعض القلوب.. وكيف يجبر بعض القلوب.. وكيف يقتل بعض القلوب..وكيف ينير الله به الدروب..

* صدم شاب امرأة عجوزا بدراجته، وبدل أن يعتذر لها ويساعدها على النهوض أخذ يضحك عليها، ثم استأنف سيره، لكن العجوز نادته قائلة: لقد سقط منك شيء؟ فعاد الشاب مسرعاً وأخذ يبحث فلم يجد شيئاً، فقالت له العجوز: لا تبحث كثيراً. لقد سقطت "رجولتك" ولن تجدها أبدا.

 (4) نفحات :

* الورد لا يبوح باحتياجه للماء. إما أن يسقى أو يموت بهدوء .

* بعض المنعطفات قاسية! لكنّها إجبارية لمواصلة الطريق..!

* هناك قلوب لن تحبك مهما أكرمتها.. وقلوب لن تكرهك مهما أوجعتها.

 * أفضل من يدافع عنك في غيابك.. أخلاقك .

* القلوب الرقيقة: مظلومة دائما. ﻷنها أسرع من يفتح اﻷبواب .

* ﻣﺎ ﺃﺟﻤﻞ ﺍﻟﻐﺮﺑﺎﺀ ﺣﻴﻦ ﻳﺼﺒﺤﻮن ﺃﺻﺪﻗﺎءﻨﺎ ﻗﺪﺭﺍً ..! ﻭﻣﺎ ﺃﺻﻌﺐ ﺍﻷﺻﺪﻗﺎﺀ ﺣﻴﻦ ﻳﺼﺒﺤﻮن ﻏﺮﺑﺎﺀ ﻓﺠﺄﺓ..!

 * وأنت في قمة الغضب: لا تَتخِذ قرارا.. وَأنتْ فِي قِمّة السعَادة: لا تعطِ وعدا.

 (5) الكلمة نور.. ونار.

* ﻻ ﺗﻘﻞ ﻟﻄﻔﻞ: ﺍﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﻼﺓ ! ﺑﻞ ﻗﻞ ﻟﻪ: ﺭﺍﻓﻘﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻟﻨﻜﻮﻥ ﻣﻌﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ.. ﻋﺒﺎﺭﺍﺗﻨﺎ ﻟﻬﺎ ﺃﺛﺮ ﻛﺒﻴر .

 * ﺳﺌﻞ ﺍﺛﻨﺎﻥ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﺘﺄﺧﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺣﺪﻫﻢ: ﺍﻧﺸﻐﻠﺖ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ.. ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻵﺧﺮ: ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﺃﺷﻐﻠﺘﻨﻲ! (ﻗﻤﺔ ﺍﻷﺩﺏ.. ﻭقمة ﻗﻠﺔ ﺍﻷﺩﺏ) ..!.

* ﺷﺎﺏ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺯﻓﺎﻓﻪ ﺗﺮﻙ ﺑﺎﻗﺔ ﻭﺭﺩ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺍﺵ ﺃﻣﻪ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ: "ﺳﺘﻈﻠﻴﻦ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﺍﻷﺟﻤﻞ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ"..!.

 (6) أليس كذلك؟:

* ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮﺗﻔﻊ؛ ﺳﻴﻌﺮﻑ ﺃﺻﺪﻗﺎﺅﻙ ﻣﻦ ﺃﻧﺖ، ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﻘﻂ؛ ﺳﺘﻌﺮﻑ ﻣﻦ ﻫﻢ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀﻙ!

* ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻋﻠﻴﻚ ﺃﻥ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﺸﺨﺺ ﻻ ﻳﻬﺘﻢ ﻟﻤﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ. ﻓﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﺎ ﻻ ﻳﻨﺘﺒﻪ ﻟﺼﻮﺕ ﺍﻟﻤﻜﻴﻒ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﻪ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻳﻨﻄﻔﻰﺀ..أليس كذلك؟

* ﺃﻧﺖ ﻣﻦ ﺗﺤﺪﺩ ﻗﻴﻤﺔ ﻧﻔﺴﻚ، ﻓﻼ ﺗﺼﻐﺮ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻚ ﺣﻴﻦ ﺗﺮﻯ ﻓﺨﺎﻣﺔ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ، ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﺗﻘﺎﺱ ﺑﺎﻷﻭﺯﺍﻥ ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺃﻏﻠﻰ ﻣﻦ ﺍﻷﻟﻤﺎﺱ!!

 * ﺍﻟﺴﻤﻜﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻐﻠﻖ ﻓﻤﻬﺎ ﻟﻦ ﻳﺼﻴﺪﻫﺎ ﺃﺣﺪ، ﻓﺄﻏﻠﻖ ﻓﻤﻚ ﻷﻥّ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻳﺘﻤﻨﻰ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﻴﺪ ﺃﺧﻄﺎﺀﻙ !

* ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺒﻮﺡ ﻟﻚ ﺷﺨﺺ ﻓﺎﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺟﻴﺪﺍ، ﻓﻬﻮ ﺍﺧﺘﺎﺭﻙ ﺃﻧﺖ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ، ﻓﻼ ﺗﺨﺬﻟﻪ.. !.

 (٧) تجليات :

 * ﺳﺌﻞ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ: ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﺬﻫﺐ إلى اﻠﻤﺴﺠﺪ ﻗﺒﻞ ﺍلأﺫﺍﻥ ؟ ﻗﺎﻝ: ﺍﻷﺫﺍﻥ ﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﻴﻦ.. ﻭﺃﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﻻ ﺃﻛﻮﻥ ﻣﻨﻬﻢ .!

 * ﻗﻴﻞ ﻷﺣﺪﻫﻢ: ﻛﻴﻒ ﺗﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻟﻮﺣﺪﻙ! ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻧﺎ ﺟﻠﻴﺲ ﺭﺑﻲ ﺇﺫﺍ ﺷﺌﺖ ﺃﻥ ﻳﻜﻠﻤﻨﻲ ﻗﺮﺃﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁن ﻭﺇﺫﺃ ﺷﺌﺖ ﺃﻥ ﺃﻛﻠﻤﻪ ﺻﻠﻴﺖ ﺭﻛﻌﺘﻴﻦ.

 * لا تبك على ﻭساﺩﺗﻚ.. فلن ﺗﻐير ﻣﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﺷﻴﺌﺎً، ﻗُﻢْ وابكِ على سجادتك ﻭﺳﻴﺮﺯﻗﻚ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻌﺴﺮ ﻳﺴﺮﺍً..!

* نبحث في جيوبنا عن أقل فئات النقود كي نتصدق بها، ثم نسأل الله أن يرزقنا الفردوس الأعلى، ما أقل عطايانا، وما أعظم مطلوبنا.!