رمضان الوجه الآخر للضوء

الطعام غذاء الجسد والصيام غذاء الروح

جيهان رافع

في متاهات الدلائل والإثباتات الفكرية لاجتياز هذا الخوف الذي اجتمعت على مائدته البشرية جمعاء؛ يأتي التفكّر والتأمل في كيفية استمرار الجسد على قيد الحياة، والكثير من الناس ينصرف عن إيجاد الطريق لاستمرارية الصفاء الذهني والنقاء الروحي؛ اللذين يمدان الإنسان بالبقاء في عافية أكثر.

فكل ما نفكر به هو نتيجة لتأثير المجتمع وتسلسل أحداث التاريخ النمطي، لنصل إلى أنّ القدرة الإلهية منحت أرواحنا مساحة حقيقية نعيشها بتواصل مباشر مع الله، الذي يغذي فينا قدرة الاستمرار والمواجهة حين نجده في عمق الشعور. وهذا ما يمنحنا الأمان المراد لهذه الفترة الصعبة.

 لذلك نقف اليوم في بداية الشهر الفضيل شهر البركة والغفران بين متطلبات الجسد من الطعام والماء وبين امتناعنا عنهما لنترك لأرواحنا تلك المساحة صافية بيضاء نقية تهبنا بزوغ فجرٍ جديد لنقوم باتصالات روحية ندحر بها الخوف، ونجد ما فقدناه في الأشهر الماضية؛ ربما سهوًا أو عن عمد. وكما قال تعالى في كتابه العزيز: "ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجلٍ مسمّى فإذا جاء أجلهم فإنّ الله كان بعباده بصيرا".

شهر الخير رمضان هو الفرصة السنوية لتخليص النفس من حمولة الذنوب والأوهام والخوف والقلق لكن هذه السنة تحديدًا جاء لينقذنا مما نمرّ فيه، فالدعاء يزيل البلاء فكيف إن كان هذا الدعاء في أعزّ الأيام على الله ليفتح أبواب السماء لقلوبٍ خاشعة بمحبة ورجاء فيرسل لنا الفرج من قلب الضيق، فما همّ المؤمن من الموت إن كان بعيدًا أم قريبًا حين يعلم أنّ الله في قلبه راسخ يستعين به من روح صافية، فالأجل واحد والعمر واحد؛ لكن الذي يمدّ وجودنا في ذاكرة الناس وفي أحاديثهم وقلوبهم هو ما نفعل وليس ما نقول فقط، الأفعال الصالحة والعطاء من القلب والإيمان الصادق أرصدة طويلة العمر لا يمسها ضرر ولن يصيبها شحّ ولا انهيار.

 وكما نغسل أيدينا لنتقي شرّ كورونا بالصيام نغسل أرواحنا لنتقي شرّ الآتي وما يحمل من سلبيات، ونعزز به إيجابياتٍ تنشر بيننا الأمل وتعزز فينا التمسك بالحياة وكما قال محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

وتذكر دائمًا "إن لم تستطع فإنّ الله يستطيع" وسيرسل للجميع من رمضانٍ كريم كرمًا أعظم بفرجٍ قريب بإذنه تعالى.