استغلال الفراغ في زمن "كورونا"

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

فيروس كورونا، ذلك المخلوق العجيب الذي استطاع في فترة قصيرة السيطرة على العالم بأسره،  فأجبر العالم على سلب صخبه وصراخه، وصارت المدن الكبرى بأزقتها وشوارعها خالية من المارة، لا تسمع فيها حسيسًا ولا نجوى، ولا ضجيجًا ولا شكوى.

أشرقت البيوت بأهلها، واجتمع الجميع تحت سقف واحد، يضحكون، يبتسمون، يلعبون، يُشاركون بعضهم البعض في كل شيء، دون مُغادرة محيط  المنزل في مشهد لم يحصل له مثيل من قبل، وتوفرت لأفراد الأسرة ساعات طويلة للقاء الأحبة، والجلوس معهم، فما أجملها من مشاهد جميلة تعيشها الأسرة!

قد قيل: رب ضارة نافعة!

لكن السؤال الأهم الذي لابد أن تطرحه كل أسرة على نفسها: ما هي كيفية الاستفادة من وقت الفراغ في زمن كورونا؟

سنُسلط الضوء على بعض تلك البرامج الهامة التي من الممكن الاستفادة منها طيلة الحجر المنزلي، فهي في حد ذاتها كفيلة بخلق أجواء من الأنس والسعادة والسرور، وملء الفراغ، وخلق جوانب مضيئة من المعرفة والثقافة والعلم لسائر أفراد الأسرة، ولكن قبل التعرض لذلك، لابد من التطرق لبعض الأقوال المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه المنتجبين، وكذلك عن أبنائه الغر الميامين، لكي نتعرف على أهمية تلك البرامج من خلال بقائنا في المنزل، واستغلال البقاء في خدمة العائلة، ومُشاركة الأبناء أوقاتهم، وذلك لأنَّ النبي وأبناءه وأصحابه الميامين ذكروا لنا الكثير مما ينبغي فعله إذا اجتمعت الأسرة .

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه المنتجبين أنَّه قال: "جلوس المرء عند عياله أحب إلى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا". وروي عنه صلى الله عليه وآله وصحبه المنتجبين قال: "أيما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تُريد به صلاحا إلا نظر الله إليها، ومن نظر الله إليه لم يُعذبه". وروي عن حفيد النبي الأعظم الإمام الكاظم أنَّه قال: "جهاد المرأة حسن التبعل".

وقال حفيد النبي الإمام الباقر: "أيما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب من النار وفتح لها ثمانية من أبواب الجنة تدخل من أيها شاءت". وروي أنه قال: "ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلا كان خيرا لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها".

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه المنتجبين: "إذا سقى الرجل امرأته أجر". وقال أيضًا "لا يخدم العيال إلا صديق أو شهيد أو رجل يُريد الله به خير الدنيا والآخرة". وروي أنَّه قال: "اتقوا الله في الضعيفين: اليتيم والمرأة فإنَّ خياركم، خياركم لأهله". وروي أنَّه عليه الصلاة والسلام قال: "إن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى فيّ امرأته".

عندما نتأمل ما ذكره النبي الأكرم وأحفاده الأكارم من تعليمات هامة في سبيل سعادة الأسرة، نرى أن الإسلام يحثنا على الاهتمام بالشأن الأسري من خلال توفير البرامج الأخلاقية، والثقافية، والرياضية... وغيرها بهدف صناعة أسرة مُتحابة متعاونة متفاهمة في ما بين أفرادها.

إنَّ أغلب المجتمعات- سابقا- كانت فيها الأسرة لا تجتمع إلا يومي الجمعة والسبت لشدة ارتباطها وانشغالها، وهما اليومان المفتوحان اللذان من خلالهما يتم التفرغ الكامل من أي مهام ضرورية عدا الاهتمام بالأسرة، والجلوس معها.

لكن بسبب فيروس كورونا أصبحت كل أيامنا مفتوحة! لذا لا يكفي تحديد برنامج واحد، بل لابد من العمل الجاد لتوفير العديد من البرامج التي من خلالها نستطيع طرد حالة الملل والضجر من حياتنا، واستثمار أوقاتنا، فما أحوجنا في "زمان كورونا" إلى القرب من بعضنا البعض من خلال خلق البرامج التي تزرع الحب والمودة والتعاون والعلم بين أفراد الأسرة الواحدة .

لذا اقترح عشرة من البرامج الهامة التي نستطيع من خلالها استغلال أوقاتنا بالشكل المفيد.

  1. القراءة: فهي حياة الإنسان ونجاته فإنَّ الكتاب كما قيل "هوالصديق الوحيد الذي يمكنك أن تفرغ إليه شحناتك كاملة، وتجده رغم ذلك يحتضنك، ويقف بجانبك".
  2. المسابقات الثقافية: (س ج) وهي من البرامج المسلية والمفيدة التي يحبها الصغار والكبار .
  3. الرياضة المنزلية: ككرة القدم، والطائرة، والسلة، والجري... والتمارين الرياضية الأخرى .
  4. تطوير المهارات الإبداعية: كالرسم، والخط، والطبخ، والابتكار .
  5. متابعة المسلسلات المفيدة والمربية للأسرة: أمثال: مسلسل عالم الكيمياء جابر بن حيان، ومسلسل نبي الله يوسف الصديق ... وغيرها من المسلسلات المربية والتوعوية التي من خلالها تشعر الأسرة بالأنس والسعادة والفائدة الكبيرة .
  6. المشاركة في حملة تنظيف المنزل ومحتوياته: والتخلص من الفوضى من خلال الترتيب والتنظيم .
  7. كتابة العبارات الإيجابية: وحفظها وتطبيقها .
  8. تحديد وقت معين لاستغلال الشبكة العنكبوتية: للبحث عن المشاريع المفيدة والقيمة لتعلّم المزيد من المواد العلمية حولها.
  9. الجلوس مع كبار السن: والاستفادة من تجاربهم الحياتية.
  10. استغلال المُكالمات المجانية والتواصل مع علماء الدين: والاستفادة من علومهم في المجال الديني، كالصلاة، والصوم، والزكاة... وغيرها من المسائل الشرعية التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية.

إنَّ استثمار أوقات الفراغ في "زمن كورونا" بالشكل الصحيح والسليم سيكون إيجابيا حتما على حياة الأسرة، بل وسيزيد من فرص النجاح والإبداع والتألق العلمي والثقافي والأخلاقي بين أفراد الأسرة، لذا ينبغي استثمار الجلوس في المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة.