التعليم الإلكتروني مجدداً... فرص المستقبل

غسان الشهابي

 

بعد أكثر من شهر من تعليق الدراسة في الكثير من الدول، عربية كانت أوغير عربية، أثبت النظام الإلكتروني للتعليم عدم كفاءته ليحلّ محل التدريس المباشر، أو التقليدي، الذي يقف فيه المعلم أمام طلابه ليقدم لهم الدرس.

الأمر ليس في الدول العربية وحدها، كي لا نجهز السياط لجلد الذات وحسب، بل الشكوى نفسها تتكرر حتى في الدول الغربية، التي سبقتنا، والتي يفترض أنها قد جرّبت الأمر من قبل، وأنَّ جملة من موادّها الدراسية، سواء كانت في المرحلة المدرسية، أو الجامعية تجرى عن بعد، سواء بالشكل الكامل أم الجزئي، لأنَّ الشكوى واحدة من جميع الأطراف: الطلبة لا يستوعبون التعليم الإلكتروني. وإن تفاعلوا معه فليس الأمر في سياق التعليم التقليدي... لا يزال.

لقد ثبت بالتجربة الحقيقية، وليس بالتوقعات والتكهنات، وثبت بالكثير من المقالات التي باتت تصدر عن هذه التجربة أنَّ النواقص في كل مكان متشابهة، ولكن الفرق في حجم التشابه لا في نوعيته.

فالشكاوى في الدول المتقدمة، والتي تسجل تقدماً عالمياً في التعليم، تشير إلى الأطراف الثلاثة نفسها: فالمعلم ليس مستعداً للتدريس عن طريق الميكروفون، أو الميكروفون والكاميرا، فهو لا يزال يُريد التفاعل المباشر مع عدم وجود وسائط بينه وبين طلبته، ويشعر أنَّه مقيد، فالشاشة مهما كبرت لا تعطيه أريحية وجوده في الصف.

ويُعاني الطلبة الذين يحضرون إلى الصفوف اعتيادياً من التشتت حتى وهم جالسون في وضعيات انتباه في الصف الدراسي، فكيف وهم في وضعيات ارتخاء واستراحة مع وجود عدد لا نهائي مما يمكن أن يشغله ويشاغبه ويشتت انتباهه ويصرفه عن التركيز، وأن الكثير من المقالات تشير إلى أمرين: الأول أنَّه على الرغم من تسجيل الكثير من الأنظمة للمحاضرات فإن الرجوع إليها يكاد يكون ضعيفًا، وذلك مرتبط بالأمر الثاني وهو أن الأوضاع التي يمر بها الطلبة اليوم، وفي مختلف المراحل، تشعرهم بأنهم في شبه عطلة، وهناك شعور عام (لا ندري ما إذا كان شعوراً حقيقياً أم زائفاً) بأنَّ هذا الفصل لن يتميز بالصرامة، وأن هناك اتجاهاً عاماً لإنجاح الطلبة عموماً أخذاً بنتائج الفصل الأول.

أمّا الحدّ الثالث وهو حدّ المناهج الدراسية، وهي التي لم يجر تحضيرها لتكون تفاعلية بالشكل اللازم، ولا أن تصلح لتقدّم عن طريق التدريس الإلكتروني، لأنها يجب أن تصنع للأدوات التي تقدم بها، كأن تكون هناك نسخة للحواسيب الثابتة والمتنقلة، ومنها ما يصلح ليُقدم على الأجهزة اللوحية، ومنها ما يمكن أن يقدم من خلال الهواتف المحمولة، ولكل وسيلة طريقة في الطرح وإمكانيات تمتاز بها عن الوسائل الأخرى... فهل من سيدرس على إحدى هذه الوسائل سيحصل على كل المميزات؟

نعود إلى القول بأنَّ هذه الأزمة على ما فيها من منغصات وكوارث، إلا أنَّ فيها من الفرص للتحضّر جيداً للمُستقبل، ومعرفة الفارق بين الاستعدادات النظرية، والتطبيق الحقيقي للتعليم الإلكتروني.