قارعة الطريق

 

 

 

 

عائض الأحمد

أنا الآن أقف على قارعة الطريق، صدقيني… لم أعد أملك شيئًا.

لم أُدّخر لنفسي ظلًّا ولا أملًا، بلغ بي الحال أن أبتسم وحيدًا، كأنَّ الابتسامة آخر ما تبقّى لي.

كان عهدًا أن أُرخص كل نفيس من أجلك، فإذا بي أُرخص نفسي طواعيةً، حتى تقطّعت بي السُّبُل.

لم أعد أرى غير سراب أتّبعه جزافًا، وأنا أعلم… نهايته.

أمشي راغبًا متأمّلًا، أستعيد في كل خطوة صدى ما فقدت، أحلامًا عتيقةً تئنّ تحت وطأة الانتظار، وذكريات تهوي بي نحو هاوية لا قرار لها.

كل وجه وكل نظر يمرّ بجانبي، يُذكرني بأنني لم أعد موجودًا في أي مكان، سوى هنا… حيث الفراغ يلمسني بيدين باردتين، وصمتي يصرخ بما لم يعد أحد يسمعه.

رجوتك ذات مساء، وتلمّست بقعة الضوء التي أخفاها معطفك الأسود، أيُّ جحودٍ هذا؟

أنا ما جئت إلا لأراك، وأتنفّس ذات الهواء الذي تقاسمناه… دهرًا مضى.

كأنني أجرّ ظلي خلفي، لا أسأله البقاء ولا أرجوه الرحيل.

أتعلّم كيف أُصافح الغياب، وكيف أُقنع قلبي أن ما انكسر… لن يعود كما كان.

منحتك كثيرًا، وفتحت لك ما يدعو للعودة، لكنّك آثرت الرحيل، كأنك تنبشين ماضيّ بحثًا عن ذريعة.

فلكِ ذلك… ولعلّه خياري هذه المرّة.

أمنح الذاكرة حقها في الوجع، وأمنح نفسي حق التعب، ثم أترك للطريق أن يختار لي نهايته.

فإن صادفتك صدفة، لن أعاتب، لن ألوم، سأكتفي بابتسامة أعرفها، وأمضي…

كما اعتدت دائمًا أن أمضي وحدي.

خلقت وحيدًا، وعدت كذلك، بنيت قصرًا في رمالها، فانهارت لبناته، وأعادتني إلى مخاوفي الأزلية.

لم أطلب من الحياة أكثر من موضع قدم، ولا من القلب أكثر من طمأنينة عابرة.

لكن كلما اقتربت، ازداد البعد اتساعًا، وكلما وثقت، تعلّمت أن الثقة طريق بلا عودة.

الآن… لا أنتظر خلاصًا، ولا ألوّح لندم، أُسلّم ما تبقّى مني للصمت، وأمضي.

لها: من يعرف قيمة العمر لا يُهدر ما تبقّى من نفسه في انتظار صمت الآخرين.

شيء من ذاته: ليس سوءًا في أحدنا، ولكن رضاك أثقلني وأبطأ خطوتي، أحدنا وربما كلّنا سيفقد نفسه إن دام الحال.

نقد: الألم يحيا بالعودة إلى الماضي، فهلا أتيتِ لنقيم أفراح الحاضر، واعلمي أن من يستطيع أن يجزّئ ألمه، لن يغرق فيه.

الأكثر قراءة

z