التعليم في ظل "كورونا".. تجربة أسكتلندا

د. سيف بن ناصر المعمري

في ظل اجتياح وباء كورونا كثيرًا من دول العالم، وَجَد ما يقرب من مليار طالب أنفسهم خارج المدارس، وهو ما يحدُث لأول مرة منذ عقود طويلة، أنْ تضطر دول العالم إلى إيقاف المدارس بهذه الصورة، وهناك توقعات بأن لا يتمكَّن الطلاب من العودة إلى مدارسهم قبل العام الدراسي المقبل؛ لذا تقف دول العالم أمام مساريْن في ذلك؛ الأول: مواصلة الدراسة عن بُعد واستكمال ما تبقَّى من منهج هذه السنة الدراسية، وهو لا يتعدى ثلاثة أشهر، أو أنها تتوقف عن ذلك نتيجة عدم قدرتها من ناحية الخبرة الفنية أو التقنية لمواصلة التعلم بهذا الشكل، وتكتفي بما اكتسبه الطلاب في الفترة التي سبقت انتشار الوباء.

وفي هذا المقال، أودُّ -بشكل مُقتضب- أن أشرح كيف تحوَّلت مدارس أسكتلندا إلى التعلُّم عن بعد بسلاسة ويُسر بعد إيقاف المدارس الجمعة الماضية، رغم أنَّ التكنولوجيا ليست مادة دراسية في المدارس في الأوضاع العادية، نعم الفصول الدراسية مُجهَّزة ببنية تكنولوجية، إلا أنه لا توجد مبالغة في توظيفها؛ حيث يميل النظام التعليمي هنا إلى المناقشات والتفاعل الصفي والعمل في مجموعات، وجلسات العصف الذهني، ومشاهدة الفيديوهات وتحليلها، أو التطبيق العلمي، أو جلسات الاستماع فيما يُسمَّى بالتجمع الصباحي، ولم تحول المواد الدراسية إلى تابلت؛ فهنا لا توجد أصلا كُتب مدرسية، فمادة التعلم يقدمها المعلم بناء على دليل منهجي من الجهة المسؤولة عن التعليم، والطلاب تم تعويدهم على الاستقلالية في التعلم، والاعتماد على الذات في البحث من خلال الإنترنت عن بعض المواضيع من أجل إنجاز التقويم المتعلق ببعض المواضيع، هذه المعطيات التي تُعبر عن فلسفة تعليمية محورها الطالب وليس الكتاب أو المعلم، ساعدت في تحقيق هذا الانتقال السلس خلال الأيام الماضية قبل الإغلاق الرسمي للمدارس؛ حيث بدأت المدارس ومعلموها تجهيز الطلاب لذلك.

بشكل عام، طُلِب من جميع الطلاب -سواء كانوا في المرحلة الإبتدائية (الصفوف 1-7)، والمرحلة الثانوية (8-13)- التسجيل في بوابة تعليمية تسمى (Glow) من خلال إعطائهم باسورد، في هذه البوابة يوجد (Outlook email) للتواصل مع المعلمين والزملاء، ويُمكن من خلاله الدخول مجانا إلى مواقع تعليمية بعضها مُتعلق بالمواد الدراسية المختلفة وبعضها مواقع تعليمية خاصة يتيح الموقع مجانا الطلاب، بها أنشطة متعددة، وألعاب تعليمية، وفيديوهات مختلفة تساعد على فهم كثير من المواضيع التي يتضمنها المنهج، وحساب الدخول مُبرمج حسب الصف الدراسي، أي أنَّ كل طالب يتمكن من الدخول إلى ما يتعلق بالصف الدراسي الذي ينتمي إليه، فطالب بالصف الثاني الإبتدائي حيث المنهج يركز على مهارات الرياضيات واللغة وأساسيات العلوم، وضعت العديد من الألعاب التعليمية التي تُساعدهم على إتقان جوانب منهجية مرتبطة بهذه المهارات، وأيضا وضعت لهم أفلامًا تتناسب ومستوى عمره؛ سواء عن العلوم أو المدينة وتاريخها، وكلما ارتفع مستوى الفصل الدراسي اختلفت المكونات التي يجدها الطالب في هذه البوابة التعليمية؛ فطالب الصف العاشر يجد فيها -إضافة إلى ذلك- الصف الافتراضي، ونافذة تسمى تويج (Twig) يتم البحث من خلالها عن فيديوهات متعلقة بمواضيع الدراسة المتعددة والمختلفة، فمثلا إذا كانت المادة هي الأحياء يضغط الطالب فتظهر له المواضيع العامة، ومن ثم يضغط على جسم الإنسان، فتظهر خيارات التعلم المتعلقة بجسم الإنسان ليختار منها الفيديو المحدد لشرحها، فلو اختار الطالب القلب والدم علي سبيل المثال يظهر له أيضا عدة نوافذ متعلقة بالقلب والدم، ويجد في كل خيار منها فيديو يشرح حركة الدم، وتحته توجد نقاط مهمة حول الموضوع، وفي نهاية الموضوع يوجد اختبار قصير لقياس فهم الطالب، وهكذا لبقية المواضيع الموجودة في المنهج.

إنَّ ذلك هو مثال واحد فقط لبعض الروابط التي تظهر للطالب من خلال الدخول إلى هذه البوابة التي يوجد بها شرح ورقمنة لكل جزئيات المنهج، علاوة على وجود ما يُسمَّى فريق الميكروسوفت (Microsoft team) ومن خلاله يرسل المعلم مواد التعلم للطلاب، وأيضا أدوات التقويم؛ مثل "الأسايمنت"، يقوم الطالب بحلها ورفعها، وأيضا تجري نقاشات مع المعلم خلال ساعات الدوام الرسمي، كما عمل بعض المعلمين على تفعيل قنوات اليوتيوب يقدمون من خلال شرح خاصة للمواد الصعبة مثل الرياضيات، أو العلوم، وكل ذلك يتم بالتفاعل الإلكتروني بين المعلمين والطلاب، ولا شيء يستثنى من أدوات التقويم التي تجرى في الأوضاع المدرسية العادية.

نقطة لابد أن تُضاف في ما يتعلق بطلاب المرحلة الإبتدائية الدنيا وهي أنه بالإضافة إلى ما يوجد في البوابة، قامت المدارس بإرسال المنهج اليومي الذي يتم شرحه للطلاب، وهو موزع على مهارات معينة مثل الرسم، والقراءة، والرياضيات، واللغة، لفترة زمنية محددة، ومعه أيضا عشر قصص يقوم الطالب بقراءتها بمساعدة الوالدين؛ وبالتالي يواصل الطفل منهجه اليوم في مختلف المهارات المحددة، ووفقا للجدول المعد من قبل المدرسة، ويدخل للموقع الإلكتروني للقيام ببعض الألعاب التعليمية، لقد استفادوا هنا من توثيق العلاقة بين البيت والمدرسة في الأيام الدراسية العادية؛ حيث كان يطلب من الطفل أن يقرأ قصصًا في البيت ويعبِّر عنها، أو يقوم بأنشطة رياضيات محددة، وعملوا على مواصلتها في هذه الظروف التي يمر بها العالم والتي تتطلب اللجوء للتعلم عن بعد فهو الخيار، بدلا من إيقاف الدراسة نتيجة عدم التمكُّن من الذهاب للمدرسة.

إنَّ ما سَاعد النظام الأسكتلندي على هذا الانتقال السلس إلى التعلم عن بُعد، ليس التكنولوجيا وحدها، فهي لا تُعد حلًّا إن لم تصاحبها فلسفة تعليمية مُتمركزة حول الطالب واستقلاليته ومهاراته،  وفاعليته وفهمه، وأيضا فلسفة تتمحوَر حول مواضيع التعلم وليس الكتاب المدرسي وأهمية الانتهاء منه. علاوة على ذلك، وجدت مواقع تعليمية متعددة تقدم الدعم لمختلف المراحل الدراسية؛ وهي عادة غير مجانية، ولكن الدخول لها من البوابة الرسمية يتيح للطلاب الانتفاع بما فيها؛ لذا توافرت بيئة إلكترونية تعليمية متنوعة جدا يمكن اللجوء لها وقت الطوارئ التعليمية، وهي دعوة للمؤسسات المانحة لتمويل المشاريع البحثية التربوية، وجهوا التمويل لمثل هذه المشاريع؛ لأنَّ نظرة للوراء نجد أنَّ أكثر من مليوني ريال -وربما أكثر- وُجِّهت لتمويل مشاريع تربوية، لكنها لم تثمر ما يمكن الاستفادة منه في وقت الطوارئ كهذه التي نمر بها الآن.