"عمان من السماء".. إطلالة مُبهرة تتخطى الحواجز

جيهان رافع

مئتان وتسع وثلاثون إطلالة، ولكل إطلالة حكاية ستقرأ خفاياها وتتعمَّق خلف ستائر مسارحها، فكلُّ ما ستشاهده في لحظة استغرق من الحب والدافع والانتماء مسافات من الجهد، وأشهر من تعبٍ لا يقاس بدقات الساعة، بل بالنبض ودقات القلب التي تسارعت فرحًا حين الولادة.

الإهداء إلى الروح البيضاء التي غادرتنا إلى السماء..

إذا ربطنا الإهداء بالعنوان، سنتعرَّف على المعنى الحقيقي الذي أراده المبدع الشيخ أحمد بن سويدان البلوشي، وكأنه أراد أن يُؤكد أن روح جلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- ستبقى تنظر إلى هذه الأرض الحبيبة كما أحبّ وسعى طيلة الخمسين عامًا ليراها هكذا كما لو أنها تاج على كوكب الأرض، كما جاء الإهداء الثاني مملوءًا بالحب والجمال، مسكونًا بهيبة الأماكن وعمل الطبيعة وتفاعلها مع الإنسان، كما لو أنَّها ترسم له لوحات تنحت التاريخ في ذاكرته، فشاركها الشيخ أحمد بن سويدان لحظات اقشعرَّ لها جسد الكلمة، وعظم فيها شأن الحب والجمال العماني الساحر.

هنا.. تقرأ حديث الروح بلغة الأرض، لترتدي المساءات حللًا ورديّة وشمسَ الصباح تقبّل معنى الحياة فيك.

ihtd4.png
 

ستقوم في رحلةٍ مع متعة لم تشعر بها روحك من قبل، كما لو أنك تحلّق فوق تلك الجبال والوديان وتعانق رؤوس الأشجار الشامخة، ستتنقل بين حبٍّ وحب، بين الأرض والسماء، دم الأصالة والعزة يتدفق في عروقك ممتزجًا باللهفة والاشتياق.

شلالات وادي دربات وعين كور كأن هديرها يتلاحم في أذنيك مع أصوات العصافير وحفيف أوراق الشجر مع أصوات أطفالك، لكنك ستعجب مما تشاهد في الصور وكأنك لم تزر هذه الأماكن يومًا، ستسمع صدى صوتك في تلك الأودية كما لو كنت تشكو لها فترسل شكواك إلى السماء مباشرة مع المحبة الخالصة.

كتب الشيخ أحمد في مقدمة الكتاب:

"الجميل في الأمر أنني صِرت ألمح بعض التفاصيل التي تكسو الجمادات من الحجر والشجر والجبل والبحر، روحًا من بشر أو حيوان، فأصبحت أرى وجوهًا بشرية في موجةٍ بحرية، أو أشاهد فيلًا ضخمًا في جلمود صخري، كأن جمال الطبيعة من حوله جعله يقف مكانه متأمِّلا تلك الفتنة عبر العصور، أو أرى حارسًا من صخر على باب قلعة وكأنه وقف هناك بإصرارٍ على حراسة ذلك الصرح التراثي حتى تحجر في مكانه عبر الزمان.

هنا.. تنحني الكلمات لهذا الجمال الروحي الذي جهر بصبوة الشعور، لتلد الكاميرة رسائل شامخة تعانق الضياء وتغوص في بحور الوفاء، تترك لنظرك فرصة تُزيل بها الهواجس وتلجأ لمحاكاة النفس والتاريخ في أرجاء وطن السلام زينة الأوطان أرض اللبان عمان.

تُواصل الأنفاس لهفتها حين تأتي على هذا المنجز الفريد من مؤسسة الرؤيا، التي لطالما امتازت بإدارتها الراقية من رئيس تحريرها المكرم حاتم الطائي، بريِّ ربيع الإبداعات، لتنبت لنا كل هذا الجمال، وتفتح لنا آفاق المتعة والصفوة، بنقاء الصلاة وعمق المعنى في العطاء، فهي لا تقدم شيئًا نصف متَّقد، ولا تعطيك خبرًا نصف صحيح، في فيئها تلظَّى من لسعهم حرّ التشاؤم أو السقوط، فنهض من جديد فوُلد مرة ثانية.

وكما قال المكرم حاتم الطائي عن هذا الكتاب، أنه مسكون بالجمال، ويقيم فيه الحب إقامة سرمدية، يهتف باسم الانتماء والإخلاص باسم الوطن باسم سلطانه هيثم، يكشف مساحات القلوب الخضراء بعينٍ كعين الصقر وقلب كقلب المحيط، وحبٍّ كالأفق ليس له نهاية ولا حدّ.