تعليم الفرص المُهدرة

 

 

غسان الشهابي *

من العِبارات التي صَارت مُستهلكة إلى حدٍّ كبير، قولهم: "التحديات تخلق الفرص"، وسبب استهلاك هذه العبارة ليس في كثرة ترديدها من الكثرة من الناس، ولكن لأنها تتكرر ولا يستفاد منها أبداً.

ولنأخذ على سبيل المثال: أسعار النفط التي تنخفض وترتفع بشكل غير منطقي بين الفترة والأخرى، وبطبيعة الحال يُخرِج الكثيرون ما حصَّلوه في السنوات السابقة، ويُباشرون الاستثمارات الضخمة والبنايات الشاهقة والمشاريع الاستثمارية العملاقة، وكأنَّ الحال ستستمر هكذا لعدة عقود. وما هي إلا سنوات قليلة حتى تتهاوى أسعار النفط، ويفقد الكثير من الناس أيضاً ما استثمرُوه وما جمعُوه لليوم الأغبر، ويبدأون يتكلمون عن الفرص التي عليهم استثمارها في أحلك الأوقات؛ ومن أهمها: تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للاقتصاد في هذه المنطقة، ولكن الإنشاء يظل عالياً جدًّا في هذا الكلام، لأنَّ الجميع يكون في انتظار أن تزول الغُمَّة، ويعود النفط ليضخّ الأموال السهلة في أحضان الاقتصاد الرَّخو.

الشيء نفسه اليوم ولكن مع التعليم؛ حيث علقت الكثير من الدول في شتى أنحاء العالم التعليم في المدارس والجامعات؛ نظراً لتفشي وباء فيروس الكورونا، ورأى المتحمسون للتكنولوجيا أنّ "ربّ ضارّة نافعة"، وأن هذا الظرف سيكون الفترة الملائمة لاختبار التعليم الإلكتروني؛ إذ لم يكن هناك ظرف في السابق يجبر المدارس أو الطلاب أو أولياء الأمور أو المعلمين على الذهاب إلى التعليم عن بُعد، أو التعليم الإلكتروني (وهو المصطلح الأشمل)، ما دامت الدول قد استثمرت الكثير من الأموال الطائلة في بناء المدارس، وإنتاج المناهج، وتوظيف المعلمين والأطقم الإدارية والتعليمية.

وفي أكثر البلدان التي أعرفها، والمجتمعات التي أعرفها، والأشخاص الذين أعرفهم، بمن فيهم أنا أيضاً؛ فإن النظر إلى سيناريوهات الغد لديهم أمر من مضيعة الوقت، واستعداد لاحتمالات بعيدة من الصعب أن تحدُث، بل هي من ضرب الخيال؛ لذلك فإنَّه ما إن اتخذت القرارات بوقف الدراسة تلفتت وزارات التربية والتعليم في أوطاننا: ماذا عسانا فاعلون؟ ماذا؟

أين المُباهاة بتحويل المناهج إلى الآيباد؟ أي مدارس المستقبل؟ أين التحول التكنولوجي؟ أين مشاريع المعلمين المتميزين في التعليم؟ أين ذهبت الرحال التي تُشدُّ إلى باريس لحضور التجارب العالمية التي يجري الاجتماع عليها في اليونسكو لتعليم الفقراء والمهاجرين والجامعات المفتوحة، والتعليم للجميع بأقل الأثمان...إلخ، أين إدارة الأزمات في التعليم (ناهيك عن إدارة الأزمات في الدول بكل مفاصلها)، أين تدريب المعلمين على استخدام التكنولوجيا الحديثة؟ أين تدريب الطالب على الشيء نفسه؟ كلها فقاعات انفجرتْ عن لا شيء في الكثير من البلدان والمجتمعات، ولا تسمع إلا "الولولة" من بقاء الطلاب في البيوت، ومشكلة الأمهات في القيام بدور المعلمات البديلات.

ما أرجِّحه -وعساهم يكذبون ترجيحي ولو لمرة واحدة- أنه عندما تنجلي هذه الأزمة، وتزول علاماتها، ستعود الحال إلى ما كان عليه، وستنسج العناكب بيوتها على أجهزة الحواسيب، وتلهج الألسن بالدعاء بأن لا تعود هذه الأيام مجدداً.

* كاتب بحريني