جابر حسين العماني
حثَّ الإسلام على الزواج فجعله ميثاق محبةٍ وتعاون وألفة، أكد على إظهار المودة، والمحبة بين الزوجين، وذلك أنَّ السعادة الزوجية بحاجة ماسة الى التسامح والتضحية والحب المتبادل بين الرجل والمرأة، فكما أن الرجل يتحمل العديد من المسؤوليات كذلك المرأة لها دور كبير في جعل الحياة الزوجية ملجأ للدفء والاطمئنان والمودة والحنان من خلال احترامها لزوجها وتربيتها الصالحة لأولادها .
فمن القضايا الهامة التي تتسبب في النزاعات والحروب المستميتة بين المرأة والرجل في الحياة الزوجية هو إقدام الرجل على الزواج الثاني، فإن ما نشاهده اليوم في كثير من المجتمعات البشرية أن المرأة قد تتساهل في العديد من المسائل الحياتية الصعبة في أسرتها ومجتمعها ولكن من الصعب جداً أن تتساهل في السماح لزوجها بالزواج الثاني، فهي تعتبره شكلاً من أشكال الخيانة الزوجية التي لا تستطيع أن تتحملها على الإطلاق .
عندما نتأمل مايدور في الداخل الاجتماعي نجد أكثر الأسر التي تزعزعت وتنافرت وتلاشت علاقاتها الأسرية وأصبحت ضعيفة كانت بسبب إقدام الرجل على الزواج الثاني، لأنَّ المرأة تعتبر وجود الزوجة الثانية في بيتها سيفا مسلطا على حياتها الأسرية والاجتماعية، ويبقى إقناع المرأة بالزواج الثاني من أصعب وأعقد المهام الأسرية والاجتماعية التي يتحملها الرجل بالرغم من وجود مصلحة شرعية واجتماعية وأخلاقية وإنسانية لصالح الأسرة والمجتمع، ولكن يبقى إقناع المرأة هنا أمرا صعبا مستعصيا عبر التاريخ البشري .
عندما نتأمل الإسلام الحنيف نراه يحثنا على الحب والوئام في الحياة الزوجية، فإذا شعر الإنسان أن الزواج بالثانية سيُؤدي به إلى الظلم وانعدام العدالة، فهنا يصرح القرآن الكريم قائلاً: (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) النساء: 3؛ وقال: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) النحل: 90.
وورد في الحديث عن الإمام مُحمد الباقر عن جده رسول الله (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم) أنه قال: "من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه وماله جاء يوم القيامة مغلولاً مائلاً شقّه حتى يدخل النار".
لذا تتنوع المشاكل والنزاعات الزوجية التي عادة مايكون سببها الزواج الثاني، فتتحول مُعاملة الزوج لزوجته الأولى إلى نوع من أنواع التعذيب النفسي، فلا هو يُمسكها بمعروف ولا يسرحها بإحسان، وهذه المعاملة السيئة التي يقوم بها بعض الأزواج من الرجال تعتبر عملاً جباناً يجعل الزوجة تشعر بالإهانة والانتقاص تجاه ما قدمته وتقدمه لزوجها.
إن النزاعات بين الزوجين تخلق حالة من الفوضى في الأسرة من شأنها أن تذهب بالمودة والألفة التي ينبغي أن تسود أجواء الأسرة، فيحل مكانها العنف والضغينة والأحقاد في حال لم يقم كل من الزوجين بتحكيم العقل والإنصاف في حل خلافاتهما في الحياة الزوجية.
وهنا لابد من معرفة أن تعدد الزوجات كما هو حق منحه الإسلام للرجل يمكن أن يكون حقاً للمرأة في داخل نطاق الأسرة والمجتمع، فعندما ننظر بعين الاعتبار إلى عمق الواقع الاجتماعي نجد أن على المرأة ألا تُفكر بنفسها، بل عليها أن تتفكر في حال بقية نساء عالمها، فهناك من تبحث عن من يعيلها ويهتم بها، وهناك من لا تملك المكان المناسب لإقامتها، وهناك الأرملة والمطلقة.
أليس من واجب المرأة أن تمنح مكاناً لغيرها؟ خصوصا إذا توقف الزواج الثاني على حماية الأرملة والمطلقة والمريضة من الانجراف والانحراف الأخلاقي والديني؟! لأنَّ المرأة إذا لم تجد زوجاً يعينها ويلبي احتياجاتها النفسية والجسدية قد تنحرف وتنجرف في أية لحظة إلى الملذات الشيطانية، خصوصاً إذا كانت ضعيفة في دينها هشّة في عقيدتها.
وهنا لابد للرجل أن يتعامل مع زوجته الأولى بمستوى عال من الأخلاق والإنسانية واحترام القيم والمبادئ البشرية، وألا يقوم بخدش كرامتها من خلال رميها وأولادها إلى الضياع والحرمان والإهانة، وعلى الرجل أن يعلم أن الله تعالى عندما أجاز له التعدد لا يعني ذلك إهمال الزوجة الأولى وحرمانها من أبسط حقوقها التي ينبغي عليه توفيرها.
أخيراً.. على كل من الرجل والمرأة التأمل جيداً في ماذكره الباري عز وجل في محكم كتابه وفصيح بيانه وقوله الحق حيث يقول: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَومَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا) النساء 3. صدق الله العظيم.