" أسرار البيوت "

جابر العماني

 

 حث الإسلام على الحفاظ على الأسرار حرصًا منه على أهمية حرمة الأسرة وخصوصيات أفرادها، وذلك لسلامتها واستمراريتها في الحياة، فلكل بيت أسراره الخاصة التي يجب الحفاظ عليها من الانتشار.

قد يلجأ البعض _بحجة الفضفضة_ إلى كشف المستور، والبوح بالمحظور، وبذلك تنتهك الحرمات، ويصبح الجميع على اطلاع على ما يحدث بين جدران الأسرة الواحدة.

إنَّ ما يحصل من خلافات بين الأزواج والأولاد هو: أمر طبيعي جدًا، حيث لا يخلو بيت من اختلاف في الآراء ووجهات النظر، إلا أن الشيء غير الطبيعي هو الاستخفاف بأهمية قدسية الحياة الزوجية عندما تنشر وتروج للجميع، فتبوح الزوجة بما يجري في حياتها الخاصة لصديقاتها وأخواتها ومن هم حولها، ويبوح الزوج كذلك لأهله وأصدقائه بما حدث بين جدران الأسرة، نعم قد يحتاج الإنسان _أحياناً_ لشخص من خارج الأسرة لحل مشاكله الأسرية، فذلك أمر حسن، قال تعالى: (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء من الآية:35[

على الإنسان أن يعلم جيدا بمن يستنجد، وأي شخص يستأمن على الأسرار والخصوصيات الأسرية.

يساهم البعض _أحيانًا_ عبر تطبيقات برامج منصات التواصل الاجتماعي بكشف حرماته وخصوصياته وأسراره الخاصة، من خلال: تصوير ما يدور في بيته، فتقوم المرأة من خلال الواتساب، والانستغرام، والفيس بوك، والسنابشات...وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي بنشر صورها، لأكلها، وذهبها، ومالها، وأثاثها، وما يتعلق بأولادها، أو ما يدور أحياناً حتى في غرفتها من احتفالات وأمسيات بينها وبين زوجها، متناسية أن ما تقوم به مخالف للأعراف والقيم الدينية والإسلامية والاجتماعية، ولاتعلم أن ما تقوم بنشره هو أمر خاص بها وبأسرتها فقط لاغير .

 إنَّ الإسلام أمر بحفظ الحرمات والخصوصيات الأسرية، وجعل كل ذلك سنة إسلامية مطلوبة من الجميع، وجعل المحمود في الأخلاق كتمان الخصوصيات، وعدم ترويجها ونشرها، وجعلها ضرورة يجب الحفاظ عليها، بل لا يجوز مخالفتها، لأنها تؤدي بمن خالفها إلى المهالك والمصائب عليه وعلى غيره، كالحسد، والغيرة، وعدم احترام الطبقة الفقيرة من الفقراء والمساكين، وذلك من خلال نشر ما لا يستطيع الفقير الحصول عليه، وبالتالي يجعل الفقراء يعيشون الحسرة والندم والكآبة .

وهنا لابد من معرفة: كيف تحافظ الأسرة على أسرارها؟ ذلك ليحم الإنسان نفسه، وأسرته من المهالك والمصائب والآفات التي تقع جراء إفشاء الأسرار والخصوصيات الأسرية.

إنَّ حياتك الخاصة التي تقضيها أنت وزوجتك يجب عليكما أن تحرصا جيدا على الحفاظ على  خصوصياتها، وألا يكون كل ما يدور بينكما حديث كل من يحيط بكما، ومن أجل الحفاظ على تلك الأسرار والخصوصيات والحرمات بين جدران الأسرة يجب الاهتمام بالتالي :

*اعلم أنَّ كل ما يدور في منزلك من تفاصيل بينك وبين زوجتك أو بينك وبين أولادك هي تفاصيل خاصة بك وبأسرتك فقط، وليس من الواجب والضروري نشرها، والتشهير بها، والتعريف بها خارج نطاق الأسرة، لذا عليك أن تحرص دائماً على حلّ مشاكلك بين جدران بيتك، فلا داعي لنشرها وإطلاع الآخرين عليها إلا للضرورة القصوى، وذلك بعرضها على الإنسان الأمين المستأمن.

*هناك بعض الأسرار قد تكون سبباً لإحراجك وإحراج من حولك، لذا حاول دائماً التفكير جيدا في سيئات عواقب إفشائها قبل التفوه بها للغير .

* اعرض ما تريد نشره على عقلك، وزن الأمور جيدا، حينها ستعلم أن الحفاظ على الأسرار أولى من إفشائها وترويجها للجميع .

* كن حريصاً دائمًا على كتمان أسرار بيتك، فعندها ستكون جديرا بكسب ثقة من حولك.

* تذكر دائماً أنَّ أسرارك أمانة يجب الحفاظ عليها، وأن كشفها للآخرين خيانة إنسانية، وجريمة اجتماعية قد لا تغتفر أبدًا، قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "سرك أسيرك فإذا تكلمت به صرت أسيره "

إنَّ حفظ السر له آثار إيجابية تعود على الإنسان بالخير والبركة والرحمة من قبل الله تعالى، وهذا ما صرَّح به القرآن الكريم في قضية نبي الله يوسف عليه السلام، وذلك حين ما قصَّ نبي الله يوسف عليه السلام رؤياه على أبيه النبيّ يعقوب عليه السلام، فقد أوصاه بحفظ السر، وألاَّ يقصص على إخوته ما رآه في منامه: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ حَفِظَ نبيّ الله يوسف عليه السلام السر،ّ وعمل بوصية أبيه يعقوب عليه السلام، وكان الجزاء الإلهيّ العظيم ليوسف عليه السلام: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾، وقال تعالى ﴿وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾.