قابوس بن سعيد.. في ذمة الله

فايزة سويلم الكلبانية

"أيُّها المواطنون الأوفياء"...،

قابوس بن سعيد في ذمة الله

يرحل الأبطال.. وتبقى الأوطان

عظم الله أجرك يا وطن...،

 

(1)

يا طيرة طيري.. طيري..

سلميلي على سيدي.. على سيدي..

أبونا السلطان قابوس.. وسط القلب .. وتاج الرؤوس..

لطالما كتبت هذه الكلمات بين سطور مقالاتي لأخبركم "كم تغنيت بها وأنا صغيرة حالمة، أشق طريقي خلف دخان الطائرات التي تحلق فوق أجواء سطح منزلنا، ظنًّا مني أنَّ على متنها تحمل "أبونا السلطان قابوس".. ولكم تغنيت بها في أفراح نوفمبر المجيد، أو إطلالة جلالته السامية -طيَّب الله ثراه- في مناسبة من المناسبات الوطنية أو العروض العسكرية.. اليوم أسطرها فقدا وحزنا ونعيا لتلك الأكف الطاهرة، التي لطالما رفعها فقيد الوطن ملوِّحا عبر زجاج نافذة سيارته التي تتوسَّط الموكب السامي مُسلِّما على شعبه الذي يقف مُترقبا لرؤيته وهو يلوح لنا بيده المعطاءة، متنافسين على السبق في توثيق تلك اللحظة لنتباهى بأنه قد رد علي أنا السلام والتحية، وآخر يقول: أنا صاحب الصورة الأجمل التي وثقت تلك اللحظة التي يرفع فيها جلالته يده ملوحا لشعبه وأبنائه، وهكذا هو الرِّهان مع كل إطلالة وموكب عظيم يمر بهيبة جلالته -طيب الله ثراه.

(2)

تقف الأقلام عاجزة اليوم عن التعبير عن هذا المصاب الأليم.. الفراق ليس سهلا، والأصعب "فراق الأحبه".. اليوم يرحل الأبطال ولكن تبقى الأوطان، رحيل صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- كان درسا آخر خاتمة لكل الدروس التي سبقته، كأنه يريد أن يكون "ختامه مسك"، كثُرت في تفاصيله الكثير من الرسائل والافكار العظيمة؛ حيث تخللت العبر والحكم "يوم الوداع" بدءا من مراسيم الدفن ونقل الجثمان بكل التفاصيل الدقيقة، إلى جانب مراسيم تنصيب خليفته حضرة صاحب الجلاله السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم -حفظه الله ورعاه- والمقبره التي دُفِن فيها، والسيارة التي حُمِل على متنها، وبكاء السماء الذي لم يتوقف كأنها تُشاركنا ليلة الرحيل الهادئة الحزينة الباكية ليومين متتاليين، كيف لا.. وهو من أسر القلوب بمحبة الناس، وصدق أعماله الخاصة لأجل عمان وأهلها.. كلنا ثقه فيمن أوصى به جلالته -طيب الله ثراه- سلطانا لعمان حضرة صاحب الجلاله السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم -حفظه الله ورعاه- ونكون على العهد، ماضون خلفه لا شقاق ولا فتن.

(3)

"الموكب الأخير".. كان ممزوجا بين الأخضر والأحمر والأزرق، وقد يكون ذاك التمازج أكثر أناقة من ذي قبل، لكنه لم يفرح قلوبنا.. كانت قلوبنا تنزف بدلا من الدموع دما وحزنا، لم نكُن نتسابق إلى ترقُّبه بنفس الروح والفرح والشوق لأول مرة، كنا نتمنى أن لا يمر الموكب الأخير لأن مولانا يرقد جسده في إحداها، مر الموكب لكننا لم نلمحه على نافذة سيارته التي عهدناه عليها دوما ينظر إلينا بعينيه، ويلوح إلينا بيديه مسلما باسما.. لوحت أيادي ابنائه الأوفياء مرددة: "الوداع يا قابوس".. كان الموكب الأخير يحكي قصة الوداع بين ملحمة وطنية "أب وأبنائه".. اعتدنا عليه يقود سيارته متقدما صفوف الموكب ونحن صغارا في المدرسة نذهب عبر حافلات لاستقبال السلطان قابوس الذي يزور المحافظة الفلانية في جولاته السامية بالمحافظات، والمخيمات السلطانية بين الأعياد، ولقاءاته المتكررة بالشيوخ والأعيان... الوداع في حضرة الموكب الأخير جلل.

همسة الوداع الأخير لـ"قابوس عمان":

محبة الله سر حيثما صدقت..

لها على عالم الإمكان سلطان..

تعطيك فتحا وإن سدت مغالقه..

وطور عقلك في ذا الفتح حيران..

(أبو مسلم البهلاني)