عالم دون شرطة!

 

مسعود الحمداني

هل تخيلت أن تصحو ذات يوم وتجد أنّ الشرطة قد اختفت من حولك؟! لا سيّارات نجدة تجوب الشوارع، ولا مخالفات مرور، ولا أجهزة ضبط سرعة، ولا تحقيق في قضايا السرقة والنصب والاحتيال والقتل، ولا متابعة للجرائم الإلكترونية، ولا تأشيرات أو إجراءات مطار أو هجرة أو جوازات، ولا شرطة لضبط المشاغبين.. أنت وبقيّة الناس في هذا العالم دون أفراد شرطة، هل تخيّلت ذلك؟!

إن كنتَ قد عشت المشهد السابق في خيالك، فلعلك سترى في أعماق الصورة: سائقي السيارات المتهورين وقد أشاعوا الرعب والفوضى، وستجد أنّ اللص الذي سرق بيتك يتجوّل حرا طليقا، وأنّ من قام بجريمة قتلٍ قبل أيام يرتكب جريمة أخرى أمام ناظريك، وأنّ البلد قد امتلأت بالمتسللين والمخالفين، وأنّك غير آمن- وأنت في بيتك- على نفسك وعلى أسرتك.. ستجد المشهد مقلوبا وغير قابل للاستمرار أو التصديق، قد تهاجر إلى بقعة أخرى، وقد تعجز عن القيام بذلك، فأنت محاصر بالفوضى، والخوف، والعجز.

ستتمنى فجأة أن تجد رجل مرور يخالفك، أو يخالف من يثير الرعب في الشوارع والطرقات والحارات، ستتمنى أن تعود أجهزة ضبط السرعة لرصد السرعات الجنونية التي تخلّف وراءها مئات الأرواح، ستنظر حولك لتبحث عن شرطي يحرس قريتك، أو سيارة شرطة تجوب الحارة والطرقات لترصد المخالفين، واللصوص، ستصرخ كي تجد شرطيا يضحي بروحه من أجلك ليقبض على تاجر مخدرات، أو سارقِ منزل، أو قاتلٍ طليق، أو متسللٍ هاربٍ من العدالة، سترسل دعواتك إلى السماء لكي يأتي محقق ذكي ليكشف من يقف وراء عملية الابتزاز والاحتيال الإلكتروني الذي تعرضت له، ستقف عاجزا وأنت ترى أمامك مجموعة من قطاع الطرق أو العابثين يحاولون سرقتك أو اختطافك أو قتلك، وستسأل الله في قرارة نفسك أن يبعث الله لك دورية شرطة لتخلصك من هؤلاء "المتنمّرين" في تلك اللحظة.

ستعرف قيمة الشرطة ودورها حين تحتاجها فلا تجدها، فهؤلاء الرجال الذين ربما يسبّبون لك بعض الضيق حين يسجلون مخالفة مرورية ضدك، هم أنفسهم الذين يضحون بأرواحهم لإنقاذ أبنائنا الذين علقوا في وادٍ جارف، وأنّ ذلك الشرطي الذي لا يجيز معاملة لإدخال وافد، هو نفسه الذي ينقذك من براثن محتالٍ أو أذى مبتز، وأن ذلك الشرطي الذي لم تعجبك سماته وهو يتعامل معك بغلظة، هو نفسه الذي سهر ليل نهار كي تنعم بالأمان، وأن تلك الشرطية التي أزعجتك بنظرتها وهي تفتش عاملة منزلك قبل سفرها، هي نفسها التي اكتشفت أن جريمة اُرتكبت بحقك أو بحق أحد أفراد عائلتك دون علمك، ستعرف في اللحظات الحاسمة أن هناك من يحميك، ويسهر على راحتك دون أن تشعر بهم، وأنك بمأمن في منزلك لأنّ في الخارج رجال يحرصون على أمنك، وأن القانون الذي تفر منه هو الذي يحميك، وأنّه هو وحده الذي يضبط العالم، وينشر الأمن والسلام في ربوع الوطن.

فتحية حبٍ وإجلالٍ وإكبارٍ لكل فرد من أفراد شرطة عمان السلطانية في يومهم (5 يناير)، تحية لهم على ما يبذلونه من جهد ووقتٍ لحماية أمن البلاد، وشكرا لهم من الأعماق على تضحياتهم التي يبذلونها كل يوم، وحرصهم على هذا الوطن ومن يعيشون على ترابه، وشكرا لتلك الخدمات والتسهيلات الإلكترونية التي يقدمونها في كافة مديرياتهم لينعم المواطن بالراحة، فالعناية التي يوليها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم القائد الأعلى- حفظه الله ورعاه- تؤتي ثمارها كل حين، فشكرا لكل شرطيّ في يومه، شكرًا لهم لأنّهم يمنحوننا ذلك الشعور بالأمان، لتبقى عمان بلدا عامرا بالسلام.