شتاء الذكاء الاصطناعي.. وتأثيره على عالم الأعمال

 

د.مبارك بن خميس الصلطي **

 

يطلق مصطلح شتاء الذكاء الاصطناعي على تلك الفترة الزمنية التي شهدت توقف العمل بتطوير الذكاء الاصطناعي نتيجة لنقص أو توقف التمويل وفتور حماسة العلماء له.سوف يناقش هذا المقال تأريخ الذكاء الاصطناعي والتحديات التي واجهته وكادت أن تقضي عليه وتأثيره على عالم الأعمال.

 

تعود البدايات الأولى الخجولة للذكاء الاصطناعي إلى سنة 1956 في أروقة كلية "دارتموث" في نيو هامبشاير بالولايات المتحدة الأمريكية وصاحب تلك البداية ارتفاع في سقف توقعات العلماء عن مستقبل الذكاء الاصطناعي. وبسبب ارتفاع تكلفة الأبحاث وقصور الجدوى منها وعدم اقترابها من تلك التوقعات العالية دفع بالكونغرس الأمريكي عام 1973 لوقف تمويل الأبحاث الموجهة لتطوير الذكاء الاصطناعي وتناغمت مع هذا القرار بريطانيا أيضا.

ومع بزوغ النهضة العلمية في الجانب الآسيوي من العالم بقيادة اليابان والتي ضخت مليارات اليوانات بعملتها المحلية في مشاريع الذكاء الاصطناعي أحيت أمل العلماء من جديد بهذا المشروع لكن صغر حجم ذواكر أجهزة الحواسيب في مطلع الثمانينات من القرن الماضي أجهض المشروع مرة أخرى.

وفي مطلع القرن الحالي ومع تطور تخصص "تعلم الآلة" تمكنت الخوارزميات والنماذج الإحصائية من آداء مهامها المطلوبة منها دون برمجة سابقة أو الاعتماد على خبرات العلماء وملاحظاتهم مما اعتبر فتحا علميا كبيرا في الذكاء الاصطناعي توسعت تطبيقاته في شتى التخصصات العلمية والصناعية مثل روبوتات المساعدة في المطارات وروبوتات إنقاذ العالقبن في الأماكن الخطرة والتي تستخدم في أوقات الطوارئ إلى السيارات ذاتية القيادة وكذلك والمسيرات الحربية.

وكاد أن يكون نوفمبر الماضي شتاء آخر للذكاء الاصطناعي حينما قامت شركة جوجل بتعليق إنشاء الصور لـ"جيمناي" بسبب شكاوى المستخدمين لتوليده صورا غير دقيقة ثم أعيد طرح استخدامه في الأسواق وما زال يحتاج للمزيد من التطوير.

ثم واجه الذكاء الاصطناعي تحديًا من نوع مختلف ومن الجانب الأخلاقي هذه المرة؛ حيث أوردت الصحف عن التصرف المسؤول لرئيس البرمجيات في شركة مايكروسوفت "شين جونز" بعد أن انتبه للاستخدام السيء من قبل البعض لمنشئ الصور المدعومة بالذكاء الصناعي لبرنامج "كوبايلوت ديزاينر" فأنتج صورًا تحتوي على العنف والجنس. فقام بمخاطبة الجهات الرسمية في الشركة منبها ومحذرا من تلك الثغرة واعتبرها سقطة خطيرة قد تنتهك وتعرض لمن هم دون السن القانوني لخطر جسيم واستجابت الشركة لهذه المخاوف وقامت بحلها.

ويمثل الذكاء الاصطناعي سفينة النجاة لإنعاش سوق الهواتف النقالة وسبب رئيس لعودة الزخم لمبيعاتها بعد أن انحسرت مبيعاتها في السنوات العشر الأخيرة ووصلت لأدنى مستوياتها نتيجة عدة عوامل منها التضخم وغلاء الأسعار مما دفع بالمستهلكين لاستخدام هواتفهم لمدة زمنية أطول. وعند استخدام تقنية "متقدمة" من الذكاء الاصطناعي وليست تقنية "أساسية " كما هو موجود في معظم هواتفنا اليوم سيرفع معدل المبيعات مرة أخرى لذلك تعول كثيرا شركات الهواتف النقالة على حملات التسويق والترويج لتسليط الضوء على هذه المزايا. وهذا بحد ذاته سيدفع شركات الهواتف لتوظيف الكثير من خريجي أقسام التسويق للاستعانة بهم للخروج من دائرة الركود.

وقد عبر "إلون ماسك" وهو أحد عمالقة المستثمرين في الذكاء الاصطناعي عن اعتقاده بضرورة إتاحة ونشر ابتكارات الأكواد الخاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي للجميع وأنه لا يجوز كتمانها لضمان الشفافية وعدم احتكار العلم.لهذا رفع دعوى قضائية ضد شركة "أوبن إيه آي" مطلع الشهر الجاري واتهمها بالتخلي عن حماية البشرية من أضرار الذكاء الاصطناعي لعدم مشاركتها الآخرين لتلك الأكواد وذلك لأنها ترى- من وجهة نظرها- أن النشر يهدد الأمن القومي للدول.

ويعبر الصراع القضائي في أروقة المحاكم الأمريكية عن وجهات النظر المتعارضة بين المهيمنين على الذكاء الاصطناعي حول كيفية تطوير أدوات الذكاء وتأثيرها على أمن واستقرار الدول.

وفي ختام هذا المقال.. يبقى التساؤل هل ستمضي مسيرة التطور في الذكاء الصناعي للأمام أم سنشهد تأجيلا آخر لثورة تبدو من بعيد بأنها آتية لتنقل البشرية إلى عهد جديد لم تعرفه من قبل!

** دكتوراة إدارة أعمال

تعليق عبر الفيس بوك