رسائل ديسمبرية للعزيزة آيلّا

 

فتحي إسماعيل| مصر

 

(1)

صباح الخير .. عزيزتي آيلّا.

يا صغيرتي في حرصي عليك

ويا سيدتي في التجائي

عثراتي عبادة ونجاتي منك كفر

وانتمائي لما يسرّ به قلبي قدر

وتلوّع جسدي على حبل العلاقة

مخاطرة لا يجيدها إلا المغامرون.

***

 

(2)

عزيزتي آيلا..

إنه السابع والعشرين من الشهر الأخير من السنة الأخيرة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين،

إنه يوم الجمعة المقدس، وإنها أعياد ميلادٍ مجيدة.

كم تحدثنا عن الأرقام ودلالتها... وعن الأيام.

كلها يا صديقتي أرقام..

الساعة بجواري لا تكف عن الضجيج والعبث،

تقذف بالدقائق والساعات في بئر العدم...

كل الأرقام عدم.. عبث،

لا نهائية من اللاشيء..

لا وقت يستحق دقات العقارب غير ذلك الذي قضيناه معًا. حرفا.. روحًا.. همسًا.. حتى رؤانا المنامية، فقط هي الحياة وباقي الأرقام عبث.

بعض من حولنا.. وكانوا عظام وقتنا وساعاتنا تركونا ورحلوا، منهم من صعد، ومنهم من أبعده الشغف، كما كان نفسه الشغف الذي قرّبه..

طوبى للصاعدين.. وكان الله في عوني على الدقّات التي لا تهدأ في صندوق الوقت المعلق، وفي صندوق القلب المغلق عليك.

***

 

(3)

عزيزتي آيلّا.. صباح الخير

حين أقول أنك شمسي، والشمس لا تقهر ولا تغيب، لم أكن مبالغًا، لم أكن واهمًا..

فأنت نوري ودفئي وروح الله التي تدفعني للتمسكّ بهذه الحياة

رغم ما آلت إليه من ظلم وخذلان وخداع وتألّه ذوات خلَت جنبات روحها من النور،

الشمس لا تغيب يا صديقتي وإنما تدور على الظلمات الباردة، ترش النور وتبعث الدفء.

وفي أيام كهذه فعلها الله مع البشر لعلّهم يؤمنون كما آمنتُ أنا، فأنبت النور من النور وبث في مريم البتول روح منه وقال لها كوني كلمتي.. وقام المسيح يدعو الناس على الجبل أحبوا أعدائكم.

وهذا ما فعلته أنت رغم صليب الركود والألم الذي يحتضنك من وراء، يقيّد جناحيك ويترك لدموعك وهمسك أن يرشان المحبة والنور

الشمس لا تُقهر يا صديقتي، آمني بكونك أنتِ أنتِ كما يراك الله وتراك روحي.

***

 

(4)

كيف حالك عزيزتي آيلا

الأمل أفيون الأحياء كي يصنعوا تاريخًا قبل أن يموتوا،

إنما العقول صخور،

آلاف النبيين والرسل والمصلحين والقديسين، والشهداء نادوا في البراري وعلى الجبال.. وما زالت البشرية تحكمها وتحكم نوازعها شريعة الغاب،

الأمر لا يقتصر على عقيدة فاسدة، أو تسلط ذكوري أو غنج نسائي، أو حرب تبيد الدفء قبل الأرواح ، أوكتب تطبع وتلقى في الطرقات لمن يشتري ولا يقرأ،

ومحترفي كتابة صيادي أحلام.

الأمر أن الضمائر استوحشت فتوّحشت،

والوسائد لم تعد تهدد الضمير،

بل باتت تهدهده..

اعتبريني اهذي، فالهذي نزيف العاجزين.

***

(5)

عزيزتي آيلا... صباح الخير

أما الحقيقة التي يخشاها العقل أن يقول أنك جنة،

لذا يترك بخياله فرصة للجنة كي تثبت انها الأجمل.

إنما هنا وفي تلك الحياة لا سعادة تضاهي حضورك.

ولا تعاسة يتسامق وجعها كلحظات بعدك.

الحياة يا صديقتي جنة وجحيم..

والانتقال بينهما.. أن نقترب أو نتناءى.

أما الذي فوق الجنة وفوق السعادة وفوق البهجة

أن تغرّد عروق كفي لعروق كفك، وتبثها الأشواق.

ويضل النسيم خطاه غير مدرك

الفارق بين عروق كفينا..

هلمي يا جميلتي نخدع المطر،

حين يندّي على شفاهي

فيخضوضر الورد على شفتيك.

***

 

(6)

آيلا.. أنت هنا.

لم يكن وعد قلبي لي كاذبا،

ولا تجليات الروح يا روحا سكنتني،

غير نبوءات على طريق الصعود إلى سدرتك..

سدرة الروح.

كل تفاصيلك التي احتلت مسام روحي وعقلي وقلبي

كانت هنا منذ الأزل، كنصف تائه عني..

إني يا كلي ، منتقص إلا بك.. وحيد إلا معك..

أحلامي نبوءات، وحقيقتي أحلام،

ما يلامس عيني الآن نور العارفين،

وما يخالج قلبي نبض الصادقين،

وما يعمر روحي يقين المؤمنين.

والناس والأرض والسماء.. يهتفون لك..

على لسان حالي.. المجد لك.

***

(7)

عزيزتي آيلا.. مساء الخير.

الحب يا صديقتي درجات...

أقلها باعث البهجة.. محرك الأدرينالين ..

تتفتّح بعد ذلك مسام الروح..

وتنتعش حيوات كانت نائمة فينا..

ثم يفتح الشوق للمريدين أبواب عالمه؛

عالم التقلب على صراط الألم و اللذة،

التعاسة والشقاء.. الحزن والسعادة.. الأمل واليأس..

اللغز والحل،

لغزه في ارتباكه وتقلبه..

وحَلّه في تقبّل كلّه أو رفضه،

البعض لا يستطيع كتمان (الآه).

والبعض يصنع من تأوهاته عِقدا من تراتيل وَجْد،

تبهر العيون وتأسر القلوب لتنطق كل الألسنة (آه) جديدة ومتباينة المعنى والصدى والنغمة.

فلتكن آهاتنا أغنية للعصافير على نوافذنا المفتوحة،

نلقمها حَب الصبر والوعد.. بأن نكون معًا..

***

(8)

مساء الخير عزيزتي آيلّا..

صدقيني كنتُ وحيدًا جدًا بين البشر،

بعيدًا عن صندوق رسائلك الذي أعبيء فيه روحي وأعطرها، وأحفظها ليوم ما.. تتخلص فيه من مكابدات الجسد والزمن والمسافة، وتحلّ فيك، ونعود سيرتنا الأولى...

ورقة شجر واحدة...

قطرة مطر واحدة...

ذرة تراب واحدة...

لا يفصلني عنك شهيق..

كنت وحيدًا حين انشغلت بالحياة عن انفرادك بي،

ستلتقي روحانا يومًا ما..

اللقاء ارتواء لروحينا العطشى

ونور يبدد ظلمة الممر المفضي إلى السكينة.

ربما نحن يا عزيزتي أرواح أكثر من كوننا بشرًا،

والناس بشرٌ أكثر من كونهم أرواحًا،

حين نكون معًا سنحلقّ قرب السحاب، و ربما نكون السحاب نفسه.

الروح عصفور يا صديقتي والسماء تفتح مساماتها لنا.. فهيا نعبرها بلا حجب.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك