لنرقى إلكترونياً

 

جابر العماني 

 

مع مواكبة العولمة وتطور الشبكة المعلوماتية وانتشارها الواسع في الوطن العربي والإسلامي، أصبح اليوم من أهم الضرورات الملحة في المجتمع البشري هو البحث عن أخلاقيات العمل عليها، وكيفية استخدامها بالطرق السليمة التي تعود بالخير والنفع على المجتمع، فكما أنَّ لمهنة الطب أخلاقيات ضرورية وهامة لابدّ من مزاولتها والتعرُّف عليها من قبل الأطباء، فكذلك هو الحال مع الشبكة العنكبوتية فيا تُرى هل تعرفنا على ضرورة تلك الأخلاقيات الهامة وكيفية تطبيقها في الواقع الاجتماعي أم لا ؟؟؟

يقول عالم الفيزياء ألبرت آينشتاين: "لقد أصبح واضحاً بصورة جلية أن تكنولوجياتنا قد تجاوزت إنسانيتنا". 

لذا فإنَّ ما نراه اليوم من ثورة معلوماتية هائلة في مجال الاتصالات وتبادل المعلومات المختلفة والسريعة، هي التي جعلت من العالم البشري يعيش نظام القرية الواحدة، والتي أُطلق عليها مؤخراً لقب القرية الصغيرة أو البيت الواحد .

فقد أفادت بعض الدراسات في منظمة اليونسكو أن المعارف التي يتلقاها ويتعامل معها مستخدمو الشبكة العنكبوتية في اليوم الواحد بلغت تسعمائة معلومة، بينما كانت قبل الانتشار الواسع للشبكة المعلوماتية اثنتان وعشرون معلومة بالإضافة إلى السرعات الهائلة لانتشار المعلومات في العالم.

لذا عُرف الإنترنت اليوم بأنَّه النجم اللامع والثاقب في سماء الإنسانية، فإلى جانب إيجابياته الكثيرة والكبيرة كذلك له في المُقابل سلبيات كثيرة وكبيرة، لذا ينبغي على مستخدمي الشبكة العنكبوتية في العالم، ضرورة الاطلاع والاهتمام بأخلاقيات شبكات الإنترنت، أو ما يعرف بـ (إتيكيت الإنترنتInternet Etiquette) التي ينبغي الالتزام بها، وذلك لتجنيب المُجتمع البشري الويلات الفادحة والمشاكل الواضحة التي قد تحدثها الشبكات العنكبوتية لمستخدميها في العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني وغيرها من برامج التواصل، لذا سنتطرق لذكر البعض منها:

*استخدام الكلمة الطيبة واللطيفة والجميلة والمُعبرة من خلال استخدام الكلمات والألفاظ المحترمة، والابتعاد الحقيقي عن استخدام الكلمات الجارحة التي لا تليق بالإنسان وإنسانيته عملاً بقوله تعالى:

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

قال أمير الكلام وسيد البيان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ثرثارة في كل ناد تخطب * واحفظ لسانك واحترز من لفظه* فالمرء يسلم باللسان ويعطب .

* احترام الملكية الفكرية للغير من خلال المشاركة في المعلومة المفيدة مع ذكر مصدرها وموقعها، وعدم نشر أي محتوى يتضمن إساءة لدين أو شخص أو عرق.

* احترام الرأي والرأي الآخر، حيث إن اختلاف الرأي بين النّاس نِعْمةٌ وليست بنَقْمة قال تعالى:

(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ).

*التأكد من مدى صحة أي معلومة أو خبر قبل النشر، والانتباه التام والحذر من خطورة نشر المعلومات الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة، كما قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ).

* احترام خصوصية الآخرين، فكل إنسان له الحق الكامل في عدم نشر خصوصياته إلا بعد إذنه الخاص .

ورد عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في وصيته لابنه الحسن عليه السلام أنه قال:

"يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ فَاحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا وَلَا تَظْلِمْ كَمَا لَا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ وَاحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ".

 

كن متواضعاً مع الجميع، فإن التواضع يعتبر أمراً هاماً يساهم في سعادة الآخرين، فالتواضع الذي يسود بين الأفراد سيتبعه حتماً التعاون والحب والإخلاص والتآزر والمودة. قال تعالى :( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً).

تواضع تكن كالنجم لاح لناظـر * على صفحات الماء وهو رفيع ولا تك كالدخان يعلو بنفسه * إلى طبقات الجو وهو وضيع.

إن تطبيق الأخلاقيات المذكورة أعلاه عبر الشبكة العنكبوتية يعني الالتزام بالأخلاق الإسلامية التي أوصانا بها ديننا الحنيف، فحسن الخلق يعني الجمال بالنفس والسلوك والذكاء والعلم والأدب، فما أجمل كل تلك السمات عندما تطبق على الآخرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فإن إتيكيت الإنترنت يعبر وحده عن سلسلة جميلة من الأخلاقيات الطيبة والآداب المحترمة التي يستطيع الإنسان أن يتحلى بها في العالم الإلكتروني والتي تعكس أخلاقه وتربيته وجمال بيئته التي ينتمي إليها، فما ذكرناه أعلاه ما هو سوى أخلاقيات وقيم إنسانية تعرفنا على بعضها، وأما البعض الآخر فما عليك عزيزي القارئ إلا البحث عنها لتستطيع مخاطبة العالم الافتراضي بأخلاقك وقيمك ومبادئك .

أخيراً أختم بما قاله أمير الشعراء الكاتب والشاعر المصري الكبير "أحمد شوقي":

 

وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ

 

فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبوا