سباق في مضمار لا آخر له

 

غسان  الشهابي **

** كاتب بحريني

 

حسناً فعلت شبكة إعلاميين من أجل صحافة استقصائية عربية "أريج"؛ إذ سلطت الأضواء في مؤتمرها هذا العام على موضوعين هما: الأخبار الكاذبة أو المُضللة، وفرص ومنصات التواصل الاجتماعي وتحدياتها، لأنَّ الموضوعين مرتبطان ببعضهما ارتباط الرسالة بالوسيلة.

فلم يتأخر "السيئون" من الناس عن ركوب أي موجة جديدة من أجل التضليل، وبثّ الكراهية، والتحريض، ونشر الأفكار المسمومة، وإسقاط أفراد، أوجماعات وأحزاب وديانات ومجتمعات. هذا ما فعلوه عبر التاريخ بالوسائل المُتاحة، ولكن هناك موجة من الذعر الحقيقي تنتشر في أوساط الناس عامة بشأن صحة الأخبار التي تنهال عليهم من كل فجّ، مع ظهور جيل الإنترنت الثاني المسمىWeb 2.0  الذي سمح بظهور منصات التواصل الاجتماعي القادرة على مرافقتنا إلى أسرّتنا قبل نومنا، ومن أسرّتنا قبل أن نغسل وجوهنا.

عدم اليقين من أي شيء، ومن كل شيء تقريباً، هي الموجة الضاربة حياتنا اليوم، جراء عدم أمننا على معلوماتنا الشخصية التي يعتبرها البعض لا تُمثل شيئاً لأنها لا تعني أحداً، ولكننا رأينا أنَّها تعني الكثير خصوصاً في عملية بيع معلومات شخصية لحوالي 50 مليون مستخدم لمنصة فيسبوك إلى حملة ترامب لمعرفة سلوكهم وتفضيلاتهم، وكيفية التأثير عليهم أثناء التصويت التي عرفت بفضيحة "كامبريدج أناليتيكا" التي كشفتها البريطانية كارول كادولادر، والتي قالت في المؤتمر: "لو كنت بموضع مالك فيسبوك لهدمت شركتي بالفأس واتجهت إلى الصحراء 40 يوماً أختلي فيها بنفسي، فالبيانات حق إنساني وليست سلعة". وليس انتهاءً بقيام طياري التحالف الغربي بمراجعة التويتر قبل ساعات من قيامهم بالطلعات الجوية لتحديد أكثر دقة للأهداف التي ترسل التغريدات من حسابات "دولة الخلافة"، وما بين الحدّين هناك كمّ هائل جداً من الأخبار والصور والفيديوهات المُضللة والمكذوبة والتي يجري نشرها وتداولها على قطاع واسع جداً، وتبذل جهات مهنية جهوداً كبيرة في الكشف عن زيف هذه الأخبار، ولكن بعد أن تكون قد راجت خصوصاً لدى من يودون تصديقها، والذين سيشككون - في المُقابل - في أي تكذيب لها لأنَّ التكذيب لا يخدم مصالحها بصرف النظر عن قذارة هذه "الحرب" وما يُمكن أن ترسخه في النفوس.

السباق لن يتوقف بين أجنحة الملائكة وحِراب الشياطين، إلا أنَّ من يشعل النار لا يكلفه ذلك سوى علبة كبريت وإن كانت من أردأ الأنواع، بينما إخماد الحرائق وإعادة الزراعة والتعمير هما التكلفة الحقيقية والصعبة، ولكن لا خيار أمام الملائكة إلا أن يخلصوا لأعمالهم مادام الشياطين لا يرعوون.