جابر بن حسين العماني
المتأمل في كتاب الله تعالى، يجد أن القرآن الكريم يمتدح صاحب العزيمة فيقول تعالى: "وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ".
والعزم هنا هو قوة الإرادة، وهذا يعني أن شخصية الإنسان الباحث عن الكمال تتكون من قوة إرادته ومواقفه التي يتفاعل معها عند مخالطة الناس، لذا فإن كل إنسان من البشر حتما يطمح لأن تكون له شخصية محبوبة متكاملة في المجتمع، وهنا لابد من معرفة كيف يستطيع الإنسان أن يكون مكتسبا للشخصية المرموقة والمعروفة في المجتمع الذي يتعايش مع أفراده.
لابد من الإنسان أن يسأل نفسه ما هي شخصيتك أيها الإنسان؟ هل هي في وظيفتك أم في منصبك أم في جاهك أم في كلامك الجميل المنمق الذي تطلقه بين الناس؟
إذا كانت شخصيتك ليست في ما ذُكِر أعلاه! فأين هي شخصيتك أيها الإنسان؟ الجواب أن شخصية الإنسان تكمن في قوة إرادته؛ لذا من يمتلك قوة الإرادة حتما سيكون هو الأقرب إلى الشخصية المثالية في المجتمع.
وهنا، تنقسم قوة الإنسان إلى قسمين: القوة الجسدية والقوة المعنوية، وكثيرا منا مع كل الأسف يعتقد أن القوة الجسدية هي كل شيء في الحياة، وهي في حد ذاتها شخصية متألقة متكاملة في المجتمع.
والصحيح أنَّ صاحب القوة المثالية هو من يحظى بالقوة المعنوية لا الجسدية، وهو ذلك الإنسان الذي يمتلك البطولة والشجاعة في قوة إرادته وصلابة عزيمته؛ لذا ينبغي على كل فرد من أبناء المجتمع أن يعلم جيدا هل هو فعلا يمتلك قوة الإرادة المعنوية السليمة أم لا؟
على الإنسان أن يختبر نفسه دائما في حال عرضت عليه المعاصي والرذائل والموبقات، هل يستطيع فعلا أن يوقفها ويصدها ويبعدها عن نفسه ويقول لها لا وألف لا؟
هل يستطيع الإنسان أن يصدَّ غرائزه التي يصوِّرها له الشيطان بين الحين والآخر ليجره بها إلى المهالك والمصائب؟
إذا استطاع الإنسان الوصول إلى مقام الخائف من الذنوب والمعاصي والموبقات؛ بحيث لا يكون عبدا لغريزته، فحتما سيكون ممارسا للحرية الإنسانية التي أرادها الله له، والتي ستجعله قويَّ الإرادة والعزيمة، بطلا في كل مواقفه الحياتية والاجتماعية؛ لأنه أصبح يمتلك العامل الأهم وهو تقوى الله عز وجل.. قال الإمام علي عليه السلام: "وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى".
التقوى لله تعالى تتجسَّد في كثير من الموارد الأسرية والاجتماعية التي ينبغي على الإنسان أن ينظمها في حياته بما يُرضِي الله تعالى؛ فعلى سبيل المثال إذا أغضبك من حولك كزوجتك وأولادك وجيرانك، واستطعت أن تسيطر على غضبك وتهدأت أعصابك بذكر الله سبحانه وتعالى، فأنت حتما ممن يمتلك قوة الإرادة والعزيمة، قال تعالى: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".
أخيرا.. من أراد أن يكون ناجحا في كل فصول حياته الاجتماعية والأسرية، فلابد له أن يمتلك قوة الإرادة ليستطيع الوصول بها إلى النجاح في دراسته وعمله وعلاقاته الاجتماعية والأسرية، بل في كل نشاط يقوم به في النطاق الاجتماعي.
وهنا، يقول أهل الاختصاص: من أراد امتلاك قوة الإرادة، فعليه بالصمت قدر ما يستطيع، فكثرة الكلام عادة ما توقع الإنسان في الكثير من الأخطاء التي لا يُحمد عقباها؛ لذا ورد عن النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله: "كثرة الصمت تدل على وفور العقل"، وهنا يُوصِينا الإسلام بالاستعانة بالصبر والصلاة والاستغفار وذكر الله؛ حيث يقول سبحانه: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
فما أجمل أن يستغل الإنسان أيام حياته في تنمية قوة الإرادة المعنوية من خلال تلاوة القرآن الكريم، والحضور إلى مجالس الذكر التي يُذكر فيها اسمه تعالى، بل ويجعل من قوة إرادته تمشي لإشباع البطون الجائعة، وتكسو الأبدان العارية، وتثقِّف العقول الجاهلة، لينقلها من الظلمات إلى النور، وليجعل من المجتمع بعزيمته وقوة إرادته مجتمعا ناجحا متماسكا متحابا يحب الخير للجميع.