عائض الأحمد
من عجائب قدرته سبحانه أن قيض لنا بعض البشر ساخطا عابسا مكفهرا يتطاير من نظراته بؤس وحنق لو وزع على نصف سكان الأرض لكفاهم.
يضيق به المكان ويختنق إن لم يجد شيئاً ينتقده ويُردد معتقدا بأنه طوق نجاته وتسليما بصحة قوله عندما كنت في أمريكا علماً بأنني أنهيت الدراسات العليا في أوروبا لم أكن أرى هذه المشاهد، وكأنه الوحيد الذي مرّ بهذه التجربة وتشبع حد التخمة علما وثقافة وتعايشا دون غيره. ولعلمه هو ومن سار على خطاه وتبع مسلكه وهواه.
ابن جارنا يعمل في أحد مطاعم (البيتزا) في إيطاليا منذ عشرين عامًا ومتزوج شقراء نرويجية تحمل درجة الدكتوراه وفي كل زيارة يقول اللهم لا اعتراض بعد شهر من الآن سأعود إلى بلد زوجتي فأجد شيئا مختلفا. فحياتهم لا تتوقف، وأنتم رحلت عنكم، لكن وعدني الجميع وأقسموا أن يبقوا على حالهم، فبئس الحال وبئس المآل، أين أنتم من عالم يتغير في لحظات؟
حتى أنت يا عامل (البيتزا) لم نعد نعجبك ليس انتقاصا من مهنتك الشريفة ولكن رحم الله تلك الشقراء اليافعة التي جعلت منك ناقدًا ناقماً لم يعد يستشعر جمالاً في محيطه وكأن تلك الحضارة التي ذهب إليها بحثاً عن لقمة عيش ليس أكثر كاملة غير قابلة لنقده هو ومن مرَّ من هناك .
البعض يتنكر وينسى ظنًا منه أنّه يستطيع الخروج من عالمه الحقيقي ولكن هيهات.
يحدثني أحد الزملاء من شمال أفريقيا بعد ثلاثين عاماً قضاها متنقلاً بين دول أوروبا ثم عاد إلى وطنه وكما قال تصرف أحد أبنائه الذي لم يكن يتوافق مع مبادئه جعله يعود مجبرًا بعد كل هذه الرحلة الطويلة قائلاً شعرت بالأمان الذي لم أشعر به خلال ثلاثة عقود وقدماي تطآن أرض وطني.
البعض يدندن وهو لايُحسن الغناء ويظن أنه شاعر وهو لايجيد نظم القوافي ولكنه سلطان زمانه ومفتي عصره.
لا فض فوه الطب لعبته والأدب هو أستاذه والرياضة حرفته وكاد يومًا أن يقف على منصة الأولمبياد الشتوي في (الصحراء الغربية) التي تعتبر من أكثر المناطق قسوة على سطح الأرض كصاحبنا الأولمبي.
لماذا نتلذذ بجلد الذات صباح مساء هل هناك رابط نفسي بين رؤية الجمال والاستماع به والتغافل عن منغصات الحياة وتجاهل بعض التفاصيل الصغيرة.
المدينة الفاضلة وشعب الله المختار تجدها في أساطير الأولين فأينما وجد الإنسان سيظل يبحث ويتعلم ويكمل هذا وينتقص من ذاك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
مع تمنياتي بالتوفيق لبطلنا الأولمبي على أمل أن يجد صحراء أخرى أقل قسوة وأكثر جاذبية.
وربما يستطيع ممارسة التزلج على الرمال الدائمة عوضا عن الجليد فلن يأمن ذوبانه أكثر من أشهر معدودة.
***************
ومضة:
التجاهل أحد فنون الحياة، لكنه يحتاج إلى قدرات خاصة يعرفها من تجرع مرارة لماذا وكيف ومتى؟!