سياسة الصين المدهشة

فوزي عمار

الجميل والمدهش ما تقوم به الصين في العالم، فهي حليف إستراتيجي لإيران وجزء من مجموعة BRICS التي تضم روسيا والهند والبرازيل من جهة، إضافة لشراكة إستراتيجية كبرى مع الخصم أمريكا، فبعد سقوط الاتحاد السوفييتي ظهرت الصين كقوة منافسة لأمريكا، وكان عليها الاختيار بين صراع كسر العظم على غرار ما حدث بين أمريكا والاتحاد السوفييتي أو التحول إلى صراع/مشاركة الرابح رابح (Win-Win Situation).

اختارتْ الصين الخيار الأخير، وكانت الصفقة شراءها ديون الخزانة الأمريكية بقيمة خمسة ترليونات دولار، مقابل أن تطلق أمريكا يد الصين في إفريقيا وتسمح لشركات وول ستريت العالمية العابرة للحدود للتصنيع في الصين.. وهذا ما حدث، شراكة الرابح رابح خولت الصين بيع منتجاتها في أمريكا التي تمر ربع تجارة العالم بها. ولم تخسر هذا السوق الضخم من جهة، وسمحت للشركات الأمريكة للتصنيع في الصين حيث العمالة الماهرة الرخيصة؛ مما حقق نموا اقتصاديا وصل إلى 10% وهو أعلى نمو اقتصادي في العالم؛ حيث تراجعت دول مثل فرنسا إلى أقل من 2% نموًّا سنويًّا.

شركات عالمية بدأت تصنع في الصين مثل ما تفعل شركة آبل التي تصنع الهاتف المحمول الأشهر في العالم آي فون، وشركة GE للمولدات الكهربائية العملاقة... وغيرهما الكثير.

الشراكة أجازت للشركات العالمية الكبرى التي تقدر بقرابة 3000 شركة عالمية عابرة للقارات والبحار  التصنيع في الصين دون الحديث عن النظام السياسي الديكتاتوري الصيني الذي يتنافى مع الديمقراطية الغربية التي تريد أمريكا نشرها في العراق وليبيا وسوريا.. فالتنين الصيني يملك من المقومات -خاصة الفائض النقدي- أن يقول لا لأمريكا المدانة له بخمسة ترليونات دولار. هنا حققت الصين نموا اقتصاديا وحققت أمريكا بتحالفها مع الصين شراء بعض ديونها التي وصلت إلى عشرين ترليون دولار ( وفق تصريح ترامب في حملته الانتخابية).

هذا ما حدث اقتصاديا.. أما سياسيا، فتطويع الحليف والخصم فرنسا وأوروبا (العجوز) كما وصفها وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد.. فاليورو يشكل أكبر تهديد للدولار (الذي يطبع دون رصيد ذهبي منذ قرار الرئيس نكسون عام 1971)؛ لذلك لم تنضم الحليفة والأخت الكبرى بريطانيا لهذه العملة رغم الوجود الجغرافي في منطقة اليورو، وأخير قاد اليمين المقرب من أمريكا نتائج الاستفتاء للخروج من الاتحاد Brexit.

كما أن أمريكا لن تسمح لألمانيا -العدو السابق- أن يقود أوروبا. ألمانيا التي لجأت لاستيراد الغاز الروسي في مشروع خط الغاز يربط روسبا بألمانيا (نورد ستريم 2) مما أزعج أمريكا.. وهذا ما صرح به الرئيس ترامب في اجتماع دول الناتو في ألمانيا مُؤخرا علانية.. قائلا: إنكم تدعمون عدونا الروسي ماليا بدلا من شراء الغاز الأمريكي.. فنحن من يدفع ويدافع عنكم في حلف الناتو.

أيضا الصراع والحرب الباردة اليوم هي بين فرنسا وأمريكا والصين وروسيا على إفريقيا، فالصين تعتبر أكبر شريك اقتصادي لإفريقيا حسب تصنيف 2014.

فرنسا من جهتها والتي بدأت تغازل روسيا العائد للسوق العالمي بقوة بدعوة التحالف في الحرب على الإرهاب، والتي يشكل التواجد الصيني في إفريقيا تهديدا مباشرا لها، فأفريقيا ليست فقط حديقة خلفية ومستعمرات قديمة لفرنسا، بل إن النيجر وحدها تمد فرنسا 4000 طن يورانيوم سنويا ينتج 75% من كهرباء فرنسا النووية.

الصين التي أصبحت تملك أول قاعدة عسكرية خارج أراضيها في جيبوتي، بل والاتفاق الأمريكي/الكوري الشمالي الأخير كانت أصابع الصين فيه واضحة؛ فكوريا الشمالية تعتبر مخلبًا قط في يد الصين، تستعمله متى تشاء في وجه الصديق اللدود أمريكا.

الصين التي تريد أن تضمن تقاسُم ثروات العالم مع أمريكا، والتي تجمع بين حلف اقتصادي مع أمريكا رغم الصراع الدائر على نوايا تنافسية بين الاثنين على غرار ما حدث مع شركة هاواوي العملاقة والجيل الخامس والذي وصل لشبه حلول واتفاق مؤخرا بعد صراع الضرب تحت الحزام لفترة من الوقت.

الصين التي لديها مشروع طريق الحرير الذي أطلق عليه مؤخر اسم "طريق واحد.. حزام واحد"، إضافة لحلف آخر إستراتيجي قديم جديد مع روسيا وإيران خصوم أمريكا في مشروع (أوراسيا)، هذا التجمع الذي يضم أكثر من ثلتي سكان العالم 4.5 مليار نسمة.

كل هذا يجعلنا نقول إنَّ العالم يتشكل من جديد، وأنَّ الصين ستكون اللاعب الصاعد الأهم اقتصاديًّا في النظام العالمي الجديد.. وقريبا جدا.