رؤية الأهلة.. اختلاف وليس خلافًا

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

يكاد لا يخلو عام واحد لا يُعاد فيه إنتاج موضوع اختلاف رؤية الهلال بين الأقطار العربية، وفي الأقطار الإسلامية كذلك، وإن كان الموضوع أكثر حدة وسجالًا بين الأقطار العربية، والذي ينعكسُ تلقائيًّا على الأقطار الإسلامية، والتي ترى في نفسها صدى للوطن العربي في أحوال كثيرة، وعلى رأسها المسائل الدينية الشائكة منها والعابرة كرؤية الهلال.

ولا شك عندي وعند الكثير من أبناء العرب والمسلمين أن قضية كرؤية الهلال هي مسألة فرعية، واختلاف لا يقف عنده عقل ولا عاقل، بدليل أنه أمر منوط برؤية فلكية قد تتجلى هنا ولا تتجلى في جغرافية أخرى، كما أنها لم تكن قضية على السطح في يوم من الأيام؛ كونها لا تعني إنكار معلوم أو إحقاق منكر.

ومن هنا، فإنَّ الشحن والتسييس الذي غُلفت به حالة سطحية وفرعية كرؤية الأهلة، والتي تغوَّلت في العقدين الأخيرين بصور لافتة للنظر والسمع، لابد أن تستوقف كل عاقل عربي ومسلم لفك طلاسم هذا الشحن وتوقيته، والتوظيف السياسي الفج لقضية فلكية لم تكن موضعَ خلاف في يوم من الأيام بين المسلمين؛ سواء بتقديم يوم هنا أو تأخير يوم هناك، بحسب رؤية أهلة غرة الشهور القمرية.

عرف العرب في زمن الستينيات توظيفا سيئًا لهذه الظاهرة الفلكية في الاحتراب بين مصر والمملكة العربية السعودية؛ لأسباب سياسية معروفة بين البلدين، حيث يتم التوجيه السياسي لخلق التناقض بين العاصمتين القاهرة والرياض لعدم التوافق في غرة شهري رمضان وذي الحجة، وهما الشهران المفصليًّان في هذا الصراع والخلاف المفتعل، وانقضَى الأمر لاحقًا وأصبح شيئًا من الماضي بعد مؤتمر الخرطوم عام 1967م، حين تصالحت قيادتا البلدين، ثم أتت وفاة الزعيم جمال عبدالناصر عام 1970م لتطوي صفحة هذا السجال إلى حين.

اليوم، يُعيد محبو التناحر وبعث الخصومات ذات السجال مجددًا، وكأنه أستودع في عقولهم لأغراض وضحايا آخرين، لكنه مغموس بشُبهات أشد كوصم المخالفين لهم بالانحراف والبدعة والضلال، وسرعان ما تتلقَّف الشعوب تلك الاختلافات الفلكية الطبيعية، وتعيد إنتاجها تحت تأثير مطرقة الإعلام الرسمي والاجتماعي والشحن السياسي، إلى خلافات عميقة وانقسامات حادة، وكأنها من أصول الدين!

رؤية الأهلة -وكما هو معروف- لها ضوابط وأحكام، والرؤية هنا غير ملزمة لسكان جغرافيات أخرى، وعلماء الشرع والفلك يعلمون الأمر بتفاصيله وعمومه؛ الأمر الذي يعفينا كعوام من الخوض في هذه المسائل طالما -وكما ذكرت- لا تعني تحريمًا أو تحليلًا من الأساس، ولا تتعدى كونها مسائل فلكية بتقديم يوم هنا أو تقصير يوم هناك.

الغريب والمعيب في الأمر أن مُؤجِّجي الخلافات وباعثي الفتن، يُصرون -كعادتهم- على صوابهم في كل شيء، ويجعلون من أنفسهم ميزانًا للحق، ومحورًا للكون حتى في الأمور التي يشاركهم بها طيف واسع من البشر كالإسلام والعروبة، رغم برهنة الأيام إخفاقهم وفشلهم التام في مواقف وسياسات وإجراءات لا تُحصى، ولم تعد خافية على أحد، ولكنَّ الغريب هو إصرارهم الدائم على مرجعيتهم وصوابهم في كل شيء وقصور الآخرين في كل شيء، فكرهم، وعبادتهم، وفهمهم، وتأويلهم.

وبالشكر تدوم النعم...،

--------------------------

قبل اللقاء: أرجو أن نفهم جميعًا في سلطنتنا الحبيبة أن الرؤية في كل قُطر من الأقطار مُلزمة لأبنائه، وأنهم غير مُلزمين برؤى أقطار أخرى، وغير معنيين بها من الأساس، طالما الأصل في الرؤية يتعلق بكل جغرافية على حدة، وطالما لا يوجد إجماع أو توافق يخالف ذلك، ويُصبح الإلزام واجبًا وكفرض عين على كل راشد ومُكلف حين يتعلق الأمر بوحدة الصف ودرء الفتن وإغلاق بابهما.