الكيان يتعلق بقشة الاغتيالات

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

كلما قام كيان العدو بعملية اغتيال أو قرصنة جوية على موقع بسورية أو لبنان أو إيران أو فلسطين المحتلة، هلَّل طابور التطبيع وتمسك بسردية الكيان البالية "الذي لا يُقهر" والموساد "اليد الطولى"، وسوَّق لها بصورة لعلها تُبرِّر وهنه وضعفه وتنازلاته المجانية للعدو، ولا يكتفي طابور التطبيع بالتوقف عند هذا؛ بل يتمادى في الشماتة وسكب التساؤلات السطحية عن أسباب عدم الرد على هجمات وعمليات الكيان تلك. محور المقاومة لا يتوقف عند تلك المواقف والسرديات السطحية الهشة، والتي لا تنطلي سوى على طابور أجوف أرهقته فطريات ثقافة البؤس والفجيعة، وحاصرت وعيه سرديات الهزيمة، وحصار العقل حتى أصبح يُنتجها ذاتيًا بجدارة وإتقان.

رغم بوار جميع سرديات العدو بعد السابع من أكتوبر 2023، في تفاصيل يوميات طوفان الأقصى، ما زال لاوعي الزمن العربي الغابر يُعيد اجترار سرديات العدو ويعتبر- وكعادته- أن ما حدث له مجرد انتكاسات عابرة لا ترقى إلى مستوى الهزيمة الاستراتيجية. العقلاء- وعلى قلتهم في زماننا- يعلمون أنَّ الكيان الصهيوني ومن واقع اعترافات إعلامه ونخبه، يواجه ما يُشبه الزوال، وأن وجوده قاب قوسين أو أدنى من التحقيق. ويعلمون كذلك أن مايقوم به الكيان من بطش وتدمير وقتل واغتيال، ماهي إلّا مؤشرات لزوال الطُغاة وكما يحدثنا التاريخ فحين يستشعر الطاغي الزوال يرفع شعار نيرون: "علي وعلى أعدائي"، وهذا بالضبط ما يقوم به الكيان خاصة بعد إعصار طوفان الأقصى والذي باغته وبدد أحلامه ومخططاته لفلسطين والمنطقة والعالم.

العقلاء يُدركون أنَّ وقع الطوفان على الكيان ومراراته ليست بهينة ولا عابرة، والدليل حجم التخبط ومنسوب الإجرام الذي تسلح به الكيان رغم محدودية مردوده في ميدان المعركة.

العقلاء يُدركون أن إيران وسوريا في قلب معركة الطوفان؛ بل وفي أدق تفاصيل يومياتها، بدليل هستيريا الكيان ومحاولاته البائسة لقصف هنا أو هناك وهو يعلم بأنها عمليات معزولة تمامًا عن الواقع وعن إمكانية تأثيرها على سير المعركة أو وحدة الساحات في المواجهة معه.

العقلاء يُدركون، أن اغتيال رمز للمقاومة أو لدولة داعمة لها، هنا أو هناك، في نهايتها مجرد مشاعر فَقْد لرمز على درب قافلة الشهادة، ولكنها لا تعني البتة فقد الهياكل أو الإخلال بالعقائد القتالية أو الحياد عن الاستراتيجيات المرسومة للمقاومة في مواجهة العدو المحتل، بينما يرى فيها الكيان الصهيوني ورعاته بروبوجاندا مسلية ومفيدة لشغل الرأي العام وترميم وعيه المتصدع جراء بطولات عناصر المقاومة وفصائلها.

قصف القنصلية الإيرانية بدمشق لا يُمثل سلوكًا جديدًا للعارفين بالكيان الصهيوني وعقيدته المترفعة فوق كل خُلق وعُرف وقانون، ولكن الآخر "المخدوع المستفيق" سيضيفها على جرائم الإبادة التي أدين بها الكيان في محكمة العدل الدولية، وسيضع المجتمع الدولي على المحك في تفسير الاعتداء على مقر دبلوماسي أقر العالم بحصانته وتحييده في النزاعات والحروب. وهذا ما سيضيف تهمة جديدة للكيان تجعله كيانًا منبوذًا بحق بفعل أعماله وما كسبت يديه أمام مرأى ومسمع العالم.

لا شك عندي أن قصف القنصلية الإيرانية بدمشق وبغض النظر عن من قُتل فيها، يُمثل تصعيدًا صهيونيًا خطيرًا، وخطورته لا تكمن في استفزازه لإيران أو الدولة المُضيفة سوريا، فهم يدركون مغازي وأهداف الكيان من كل عملية يقوم بها، ولكن مكمن الخطورة ستقع على الراعي الامريكي، والذي انساق خلف الكيان الى درجة أنسته مكانته العالمية ومصالحه في الاقليم وحول العالم، وهذا يتطلب من أمريكا لجم ربيبتها والالتفات نحو مصالحها ومصيرها، بعد أن حذّر بعض المستشرفين للمستقبل من أن الكيان الصهيوني قد يكون سببًا لزوال الامبراطورية الامريكية بفعل الانقياد الاعمى خلف حماية مصالحه والحفاظ على جوده.

قبل اللقاء.. إيران ثأرت لنفسها مُسبقًا، بدعمها السخي والنوعي لفصائل المقاومة في الجغرافيات التي تواجه الكيان اليوم، وبالنتيجة، إيران أكبر وأعمق من أن تُستدرج إلى مخططات أو ردود أفعال نصبها العدو.

وبالشكر تدوم النعم.