مؤتمر بلا محتوى

وليد الخفيف

ليس الخطأ عيباً في ذاته، ولكن الرضا به والاستمرار عليه والدفاع عنه هو الخطأ كل الخطأ؛ فهكذا قال الفلاسفة والحكماء منذ زمن بعيد، ولكن أين نحن من مقولتهم؟ فالمسافة تبدو بعيدة لصدى صوتهم بعدما أضحى تكرار الخطأ متعة، ووضع الطموحات والتطلعات رهن ركلة حظ خطة، فالحظ لم يكن يوما منهجا والصدفة لا يعول عليها أصحاب الهمم، وربما جاءت مقولة آندريه شينيه مُتفقة مع ما أفضى إليه المؤتمر الصحفي الذي عقده اتحاد كرة القدم أمس الأول عندما قال: "نحن نُطيل الكلام عندما لا يكون لدينا ما نقوله".

فكم تمنيتُ أن يكون مؤتمر اتحاد القدم مؤتمرا صحفيا مفصلا لبرنامج إعداد المنتخبات الوطنية بما يتفق مع الهدف الذي ينشُده الجمهور ولم يعلن عنه مجلس الإدارة، مراعيا تصحيح الأخطاء كأولوية حتى لا نقع مجددا في الأخطاء نفسها، ولكن التمني ليس له محل من الإعراب، والواقع أمر آخر عبَّرت عنه لجنة المنتخبات بسرد برنامج يخلو من الوضوح والمحتوى.

فلم يُحدِّد البرنامج على سبيل المثال الطرف الثاني في المباريات الودية التي سيتضمَّنها معسكر ألمانيا على أقل تقدير! فإذا كان تحديد المباريات الودية في الفترة التالية مرهونًا بالقرعة، فكان ضروريا أن نُفصِح عن محتوى معسكر ألمانيا لمسح الأثر السلبي الذي خلفه معسكر فيينا.

فمن المؤكد أنَّ سلبيات المنتخب قد أوضحها فيربيك في تقريره الأخير، وكان لزاما أن نبدأ ممَّا انتهى، غير أننا بدأنا من أول السطر عندما حزمنا حقائبنا مُوجِّهين بوصلة منتخبنا نحو ماليزيا من أجل المشاركة في ودية ضعيفة؛ أطرافها سنغافورة وأفغانستان غير المتواجدين على خارطة كرة القدم!

فمن المنطقي أن يتفق الهدف مع الإجراءات، ولكن تطبيق المنطق يحتاج لعمل، فهل من المنطق أن يكون الهدف هو بلوغ مونديال قطر 2022، وأن تكون الإجراءات على الأرض متمثلة في خطة إعداد تتضمَّن في بدايتها المشاركة في دورة ودية "ضعيفة"، طرفاها سنغافورة وأفغانستان، ثم مسعكر خارجي ذو  كلفة مالية عالية من أجل مواجهة عدد من الأندية المجهولة في ألمانيا، بل إنَّ المجهول يتمثل حتى اللحظة في اسم هذه الأندية!!

فهل يرتقي سرد تواريخ تجمع المنتخب وأيام الفيفا وروزنامة التصفيات، لخانة برنامج إعداد المنتخبات الوطنية؟! الاختلاف بينهما شاسع، لكنها الرغبة في البحث عن عمل سهل، وعفوًا إذا ما استخدمت كلمة "عمل" مجازًا.

فمع رحيل مجلس، وتسلُّم آخر لشارة القيادة، يبقى العمل السطحي كما هو دون جديد آفةً تعيق حركة التقدم، وما طريقة إعداد المنتخبات عبر المعسكرات والمباريات الودية إلا كرجل فقد حافظة نقوده في غرفة مظلمة فسعى للبحث عنها في شارع مضيء.

ألم نكتفِ بالنجاحات المذهلة لتلك التجربة على مدار سنوات؟! فهل لنا مثلا أن نُقدِم على تجربة ذات هُوية مثل النموذج الألماني أو الإنجليزي أو الفرنسي أو البلجيكي أو الياباني؟ فرغم اختلاف تلك النماذج في آليات التطبيق باختلاف هُوية وطابع وإمكانات كل بلد، غير أنهم اتفقوا جميعا على أنَّ تطوير المنتخبات بحاجة لخطة بعيدة المدى لا تقل عن 10 سنوات تتضمَّن عملًا كبيرًا على مستوى المراحل السنية، يُفضى إلى منتخب أول ومنتخبات مراحل ذات هُوية واحدة، مستمدة من قاعدة اسمها توحيد المنهجية الكروية وتعميم سبل التكوين؛ فالنجاح لا يأتي صُدفة، وإنما نتاج عمل. أما التعلُّل بأسباب أنتم جزء منها فلم يعد مفيدا بقدر البحث عن حل يرقى كمشروع قومي تأخَّرنا كثيرا عن إعلان تفاصيلة أمام ثانويات تُنفَق عليها الملايين؛ فزيادة عدد اللاعبين المحليين المسجَّلين في اتحاد الكرة، وزيادة عدد اللاعبين الممارسين للعبة، فضلاً عن إطلاق دوري للجامعات، وآخر للمناطق تزامنًا مع عودة مدارس كرة القدم وتأسيس منتخب للبراعم، بجانب الاهتمام بالمدربين الوطنيين وتطوير المسابقات المحلية، إنما هي الحلول الناجعة لتحقيق التطور. أما معسكرات السياحة، فلم تعد مجدية أمام مُنتخبات تعمل منذ سنوات وبدأت تجني ثمار عملها.

وختاما: من يُسمِعك الكلام المعسول يُطعِمك بملعقة فارغة.. والنجاح هو القاضي الدنيوي الوحيد للصواب والخطأ.