هل من مُجيب.. صحافتنا إلى أين المسير؟!

ناصر بن سلطان العموري

 

مَن يُناظِر حال الصحافة المطبوعة اليوم مقارنة بالأمس، يجده كالفرق بين الثرا والثريا؛ فقد كانت الصحافة شريكا أساسيا لا غِنى عنه منذ بداية النهضة المباركة في أوائل السبعينيات، بل كانت منبراً ثقافيًّا حيًّا رافق المواطنين والمقيمين في تلك الحقبة، وكان مُعِينا للحكومة الناشئة يومئذ، فالصحافة العمانية كانت لها إسهامات واضحة لا تخفَى على لبيب، فقد كانت شريكاً أساسيًّا مع الحكومة الرشيدة في تحقيق التنمية الشاملة في البلاد، فبعد كل هذا مَن يردُّ لها جميلَ ما صنعت وفعلت؟!

في القرن الحادي والعشرين، الكلُّ تغير؛ حيث ظهور الصحافة الإلكترونية، وتأثيرها على الصحافة المكتوبة، وكان يجب عند الانتقال من الصحافة الورقية إلى الإلكترونية اتباع بعض الإجراءات من جانب وزارة الإعلام، وقانون الصحافة الإلكترونية أهمها، ناهيك عن الدورات التدريبية في مجال النشر الإلكتروني، ولعل من أهم الإجراءات هي الخطابات الرسمية الداعمة للصحف الإلكترونية إعلانيا؛ فعلى المعلن أيضا أن يعي معنى الصحافة الإلكترونية، وعليه أن يحول إعلاناته أيضا إلى الصحف الإلكترونية مُوَاكبة للمستقبل، وهذا ما تسبب بدوره في أزمة إعلانات في الصحف نتيجة شُح الإعلانات. والسؤال هنا: هل يا تُرى عند وضع الميزانية العامة للدولة تم وضع حال الصحف في الحسبان وما ستؤول إليه الأمور وتصبح أكثر تعقيدًا حينها؟! حيث أثَّر ذلك على إيرادات الصحف التي تعتمدُ بشكل أساسي على الإعلانات، وهي في الأساس شركات عائلية تَرى أنَّ الصحف قد أصبحتْ تشكل عليهم عبئا ماليا جسيما بعد أن كانت تُدر لهم مئات الآلاف من الريالات شهريا، أضف إلى ذلك تأثير الأزمة المالية القائمة، وتفضيل العمالة الوافدة على الوطنية لاعتبارات معروفة.

كُلها صُعوبات أو عراقيل أثَّرت على حال الصحفيين وممن يعلمون في مهنة المتاعب بشكل مباشر؛ فقد أصبحوا هم الضحية؛ فمنهم من لم يستلم راتبه منذ شهور مضت، ومنهم من ضرب الولاء لصحيفته عرض الحائط وهجر مهنة الإعلام، فقد أصبحت "لا تؤكِل عيش"، فما هي الحلول السريعة للأمر؛ كون الأمر متعلقًا برزق مواطنين حملوا على عاتقهم وفوق أكتافهم أتعاب الصحافة والإعلام طوال سنوات تجاوزت في بعض الأحيان العشرين عامًا أو يزيد؟!!! والمتابع للصحافة العُمانية يستخلص عدة نقاط تعتبر طوق نجاة؛ تتمثل في الآتي:

1- القيام بتشخيص حقيقي لواقع صحافتنا في ظل التحول الإلكتروني ومنافسة وسائل التواصل في نقل المعلومة، والتداعيات الاقتصادية، لا مجرد محاضرات نظرية وندوات استعراضية.

2-  تشكيل لجنة مختصة لمتابعة واقع ظروف المؤسسات الصحفية، يدخل فيها ديوان البلاط السلطاني ووزارة الشؤون المالية والقوى العاملة لإيجاد مخرج؛ فلا يُمكن أن تترك أي مؤسسة أن تقرِّر مصيرها ومصير موظفيها بنفسها، لا سيما إذا كانت تمثل القطاع الصحفي الحيوي.

3- من الملاحظ أن دور وزارة الإعلام خجول جدا، وكان ينبغي أن يكون هناك تضامن قوي ومتابعة دقيقة لوضع صحافتنا ورعاية الإعلاميين وحمايتهم من أي إجحاف لحقوقهم في الصحف.

4- دعم الصحف ماليًّا، وضخ الإعلانات، وإلزام الجهات الحكومية بالإعلان، مع متابعة وضع وإدارة الصحف بدقة، وعدم قبول ذريعتها بالوضع الاقتصادي للبلد.

5- التركيز على رعاية الإعلاميين الذين لديهم قلق من مستقبل المهنة، ومَن أجبرهم وضع مؤسساتهم على المغادرة، وتضرروا من ذلك، حتى لا تكون هذه المهنة طاردة للكفاءات الإعلامية والخريجين الجدد، وهنا يأتي دور جمعية الصحفيين.

6- تذليل الصعوبات التي تواجه الصحف فيما يتعلق بعملية التوزيع والطباعة وزيادة الاشتراكات الحكومية.

وهناك نقطة مُهمة ينبغي ذكرها تتعلق بعدم استفادة صُحفنا المحلية من أيام الطفرة والعصر الذهبي للصحافة كبقية الصحف في دول المنطقة، التي استثمرت وأصبحت تمتلك مراكز تجارية وأبراجا وعقارات تُمكِّنها من مواجهة أي أزمة مالية؛ لذلك لم تتأثر تِلكم الصحف، وعملت حتى بدون دعم حكومي وبكل طاقتها تقريبا على الرغم من ظهور صحف منافسة.

الواضح من المشهد الحالي للصحافة العمانية أنَّ هناك تشتتًا وحيرةً بين الانتقال للصحافة الإلكترونية، والذي يحتاج أن يُرافقه الأمن السيبراني، ويواجه مصير رفض المعلن له، وعدم رغبة الجهات المعلنة في نشر إعلاناتها؛ نظرا لعدم تداولها وانتشارها.

ويبدو أنَّ حال الصحافة العمانية أصبح لا يسرُّ، كما هو واضح لكل متابع، وهذا ناتج عن الحالة للحالة النفسية التي يعاني منها الصحفي الذي يحاول أن يوجِد موطئ قدم لنفسه ولمستقبله المهني، وسط اختفاء دور جمعية الصحفيين العمانية عن لب هذه القضية المهمة، وهذا ما يثير الغموض، إضافة لعدم الالتفات للموضوع من قبل المجالس البرلمانية مجلسي الدولة والشورى.

------------------------

نداء لوزارة الإعلام -بصفتها الجهة المسؤولة: أنقذوا الصحافة المكتوبة قبل فوات الأوان، وناصروا الصحفيين، واهتموا بهم، فهناك من يعاني ويكافح في سبيل لقمة عيشه التي هى مصدر رزقه؛ فليس من المقبول أبدا أن يكون الصحفي الذي تطرق وطرح وناقش قضايا الباحثين عن عمل، يكون هو بنفسه باحثًا عن عمل.. فأي تناقض هذا؟!

تعليق عبر الفيس بوك