أين جامعة الدول العربية من غزّة؟!

 

محمد بن سالم التوبي

 

غزة التي فضحت الكثير من المواقف في الشرق والغرب وإذا كنّا ركّزنا على مواقف الغرب سابقًا ففي هذا المقال سأركز على الموقف العربي وتحديدًا جامعة الدول العربية التي غابت أو غُيّبت عن المشهد، وكأنَّ غزة ليست قطعة من هذا الوطن الكبير الذي تكالب عليه القريب والبعيد، وأضحت وحيدةً تواجه مستقبلها ومستقبل أهلها الذين رفعوا راية الجهاد في زمن عَزّ فيه الجهاد.

العدو الصهيوني الذي زرعته بريطانيا في خاصرة الوطن العربي منذ 75 عامًا، أُريدَ له أن يكون وطنًا لليهود من أجل إخراجهم من أوروبا بعد ما نكبهم هتلر وجمعهم ورمى بهم في المصاهر، فكان الرأي أن يتم تجميعهم في مكان واحد ويكون لهم وطنًا يمارسون فيه عقائدهم وعباداتهم ويحكمونه بشريعتهم، فكان المقترح أن يكون وطنهم الأرجنتين أو أوغندا ولكن بعد ذلك خَلُصَ الرأي أن تكون فلسطين هي الوطن الذي يمكن لهم أن يعيشوا فيه؛ وذلك بفضل السياسة البريطانية التي استحكمت في المنطقة، ولكن قبل خروجها زرعت هذا الجسم الغريب، الذي وعلى مدى 75 عاماً لم يستطع العيش في أمن؛ فالأرض المقدسة لا تقبل المجرمين والقتلة وسرّاق الأرض.

الاستعمار بغيض كيفما كانت طريقته ومسمياته، وإذا كان في ما سبق الاستعمار له شكل واحد وهو الاستعمار العسكري الذي يحتل الأوطان بالسيطرة العسكرية فيه على القرار السيادي ويعمل فيه بحسب مصالحه السياسية والاقتصادية والعسكرية، فهذا الشكل من الاستعمار ما زال باقيًا في بعض الأماكن وما زالت الدول الكبرى مستعمرة للكثير من الدول أو أجزاء منها، وما زال حاضرًا استعمار الكثير من الجزر في البحار والمحيطات.

لم تخرج بريطانيا من مستعمراتها السابقة خالية الوفاض وهذا مما لا شك فيه، فإمّا أن تكون سُلّمت بطريقة أو بأخرى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وإمّا أن تكون أذرعها ما زالت باقية تتحكم في القرار السيادي لبعض الدول، وهذا بالتأكيد من أجل مصالحها الاقتصادية إن كانت لها مصلحة في تلك الدولة- وبالأخص الدول المنتجة للنفط- وكما هو معلوم عن السياسة البريطانية فهي تلعب أدوارًا خفية في التخطيط والتنفيذ ولها نفس طويل في تنفيذ خططها وعلى استعداد أن تلعب مع كل الأطراف وهذا ما حدث في الحقيقة في زنجبار وتفكيك الإمبراطورية العمانية، وتاريخ المؤامرات الإنجليزية في المنطقة لا يمكن أن يُجهل بأي حال من الأحوال.

الجامعة العربية أحد طرقها في لم الشمل العربي بطريقة إنجليزية بحتة، فقد اعتادت بريطانيا على قتل ووأد الشمل العربي من خلال الدسائس والمكائد على مدى قرون من الزمن، فليس عجيبًا أن تشجّع الدول العربية على إنشاء الجامعة العربية من أجل أن تتحكم في قراراتها وفي مصير قضاياها، فما يخرج عن سيطرتها يُذهب به إلى الجامعة العربية، وهناك وبقرار عربي يتم وأد الكثير من تصورات الجامعة التي تؤلف بين الدول كما يتم وأد ما يمكن وأده حتى لا تكون الدول العربية في قوّة اقتصادية أو سياسية تستطيع أن يكون لها شأن بين دول العالم، وحتى لا تكون دول هذا التجمع دولًا قوية تستطيع مجابهة العدو الذي يتربصها ليل نهار.

الجامعة العربية في ظاهرها ولكن ليس في باطنها، ولا يمكن لها يومًا أن تكون جامعة إن لم يصلح شأنها وتنتفض على قوانينها وقراراتها، وتكون قوة جامعة تملك قرار وحدتها وقوتها. الجامعة العربية شبه مغيّبه في وقتنا الحاضر، ولم نرَ لها موقفًا قويًا تجاه ما يحدث في غزة، وكأن شيئًا لا يحدث في فلسطين وهي القضية التي رسخت في أركان محاضرها في كل الاجتماعات العربية، ولعل خزائن القاهرة مليئة بدفاتر فلسطين وقضاياها وتعدّي العدو الصهيوني عليها.

تعليق عبر الفيس بوك