جابر حسين العماني
جاء الإسلام ومعه العديد من المشاريع الإنسانية التي من خلالها أراد الله سبحانه وتعالى تنظيم المجتمع وتكريم الإنسان، ومن أهم المشاريع التي جاء بها الإسلام من أجل راحة الإنسان، وأكد عليها، هو الزواج، وهو من سنن الأنبياء والمرسلين حيث يقول الله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ).
والمتأمل في حياة الأنبياء يجد أن من أبسط الموارد وأسهلها في عصرهم، هو الزواج، على عكس ما نراه اليوم.
ومن مظاهر البذخ والإسراف بحيث جعلت مشروع الزواج من أصعب المشاريع الحياتية وأعقدها على الفرد في المجتمع.
يبدأ الزواج بالحفلات المكلفة والباهظة التي تصرف فيها الكثير من الأموال الطائلة، فالإنسان عندما يفكر في مشروع الزواج، لابد له أن يستعد لصرف الكثير من المال لكي يستطيع توفير المهر المبالغ فيه، فضلاً عن حجز القاعات وإشباع البطون، وجلب المغنين، وغيرها من مظاهر البذخ والإسراف المحرم في الإسلام.
والسؤال هنا: هل كل ما يصرف اليوم على حفلات الزواج سيمر مرور الكرام؟ أم سيحاسب أصحاب هذه المظاهر أمام الله سبحانه وتعالى، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ، عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ، وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ، وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقه".
يسأل الإنسان يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟
وهو مسؤول بالدرجة الأولى عن كل درهم أنفقه في غير محله، وجعل منه مورداً من موارد الإسراف والتبذير والبذخ، الذي يتحول إلى نار تحرقه يوم حشره ونشره وقيامته، لأنه لم يراع في ماله الضوابط الشرعية، قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
من المؤسف عندما ترى الآباء والأمهات في حفلات الزواج يتباهون أمام الجميع بالإسراف والتبذير بإقامة المهرجانات والاحتفالات لتزويج أبنائهم.
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم "يسروا ولا تعسروا".
إذا كانت لك أموال فلماذا لا تفكر أن تسقط السلفيات التي اثقلت ظهور أبنائك لسنين بدلاً أن ترمي آلاف الريالات وتبذرها على الحفلات الباهظة في ليلة واحدة)؟؟؟
إذا كانت لك أموال لماذا لا تهتم بإشباع الفقراء في افغانستان والعراق والهند لسنة كاملة بدلاً أن ترميها على المغنين في ليلة زفاف واحدة؟
قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا).
حثنا الإسلام على التوسعة على الزوجة والأولاد، فذلك كرم يحبه الله ورسوله، أمّا صرف الأموال على حفلات الزواج فهو إسراف لا يحبه الله ولا رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم "من نبل المرء توسعته على عياله"، وقال "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله".
أمّا حفلات الزواج التي ترتكب فيها المحرمات والموبقات، كالإسراف الذي يعد من كبائر الذنوب، الذي نهى عنه الإسلام وحذر منه، فهو يقسم المجتمع إلى فقير وغني، ويعطل أهداف المشاريع الدينية والإسلامية في المجتمع، فهل ينتظر من يتعامل مع الإسراف في ليالي الزفاف الحصول على البركة والخير من قبل الباري عز وجل!؟
الجواب الزواج الذي يشتمل على المحرمات والموبقات، كالإسراف لن يكون مباركاً من قبل الله تعالى، بل سيكون محلاً لنقمة الله ولزوال نعمه.
الإسراف في حفلات الزواج هو واحد الآثار السلبية المترتبة على عزوف الشباب عن الزواج، والتي لها انعكاسات سلبية على كثير من المجتمعات حيث إن الإسراف جعل الشباب يبتعدون عن الزواج، ويقتربون من العلاقات المحرمة لإشباع رغباتهم، مما ساعد ذلك على انتشار الرذيلة في بعض المجتمعات، لانتشار تلك العلاقات المحرمة بين الشباب والفتيات، وبالتالي أصبحت هذه المجتمعات اليوم مهددة بالدمار والاندثار، نتيجة العزوف عن الزواج.
وهناك ظواهر أخرى ساعدت على عزوف الشباب عن الزواج المقدس اذكر منها:
- الفقر والبطالة التي انتشرت بشكل كبير بين أبناء المجتمع الواحد، مما جعل الشباب غير قادرين على توفير تكاليف الزواج الباهضة، قال الإمام علي عليه السلام "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".
- ارتفاع المهور والطلبات والشروط التعجيزية التي تفرضها الكثير من الأسر على الشباب، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم "يسروا ولا "تعسروا.
- الإبتعاد عن التعاليم الدينية، وضعف الواعز الديني بين الشباب بحيث يستطيع الشاب تكوين علاقات محرمة، ولا يستطيع تكوين علاقة شرعية من خلال الزواج المقدس، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم "تزوّجوا فإنّ الزواج سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
- ضعف الراتب الشهري، وعدم تحمل تكاليف الحياة الباهظة التي جعلت الشباب غير قادر على الزواج.
- رغبة الكثير من الشباب في الحصول على الشهادات العالية كالدكتوراه والماجستير بحيث ينظرون إلى الزواج كمشكلة تعيقهم وتقف حجر عثرة أمام طموحاتهم في إكمال مشاريعهم المستقبلية.
- شعور بعض الشباب بالخوف من تكوين أسرة صالحة، لما يرونه من حالات الطلاق الكثيرة التي باتت تهدد المجتمع سلباً، وجعلتهم في خوف مستمر من فكرة الزواج المقدس.