صحار العاصمة الاقتصادية

 

عباس المسكري

 

في هذه الافتتاحية سأتحدث عن مدينة من مدن التَّاريخ العماني وبوابة من بوابات الاقتصاد والتبادل التجاري والثقافي والإنساني، كانت لها بصمتها ولا تزال حاضرة حتى وقتنا الراهن وبما أنَّ لكل تاريخ بوابته ولكل حقبة أهميتها، ونؤمن أنَّ التاريخ جديد متجدد يحمل بين جنباته الكثير من الرؤى والمترادفات وينطلق من أبجديات قلَّما تجد من يُحسن صياغتها ويعيد بلورتها ويجعل منها كياناً حاضراً وأنموذجاً يحتذى به، وبما أننا سنتحدث عن بوابة الاقتصاد القديمة التي انطلقت منها قوافل التجارة التي استنطقت رمال الصحراء، وأشرعة السفن والصواري التي مخرت عباب البحار حاملة بين جنباتها رسائل السلام وعبق التَّاريخ الذي انطلق من صحار إلى كافة الأمصار في مشرق الأرض ومغربها وشمالها وجنوبها، ولا يُمكن أن ينسى أو يتناسى دور صحار في استقطاب العلماء والمفكرين والمؤرخين والأدباء ليواكبوا النهضة الاقتصادية التي كانت تشتهر وتزدهر بها صحار.

تعالوا نعرج على بعض الاقتباس من أقوال المؤرخين وماذا قالوا عن (صحار) وكيف كانت في أعينهم وكيف أوفوها حقها بل كيف أتقن وتفنن الكثيرون منهم بوصف جمالها، فوصفها (ياقوت الحموي) في كتابه معجم البلدان بأنها كانت تسمى قصبة عُمان وأنها مدينة طيبة الهواء والخيرات والفواكه مبنية بالآجر والساج، كبيرة ليس في تلك النواحي مثلها، وأهلها في سعة من كل شيء، وذكرها (المقدسي) حيث قال إنَّ صحار قصبة عمان وليس على بحر الهند مدينة أكبر منها، فيها عمران ولها روانق، وبها ثروة لا تُقدر، وفيها فاكهة، وأسواق عجيبة والمنازل بها عالية مبنية بأجود أنواع الخشب والطوب وفيها ماء عذب، وعلى ساحلها مسجد جامع، وهي ممر الصين وخزانة الشرق، وأشار إليها (الفارسي) صاحب كتاب حدود العالم حيث قال عنها إنها سوق الدنيا كلها، ليس في الدنيا مدينة تجارية أكثر مالاً من تجارها، تجارات الشرق والغرب والجنوب والشمال تجلب إليها أولاً ومنها تحمل إلى سائر الأماكن، وفي كتابه المسالك والممالك قال عنها (الإصطخري) هي أعمر مدينة بعمان، وأكثرها مالاً، ولاتكاد تعرف على بحر فارس بجميع بلاد الإسلام مدينة أكثر عمارا ومالا من صحار، ونقل قول البشاري عنها بأنها دهليز الصين وخزانة الشرق والعراق ومغوثة اليمن، وتحدث عنها أيضاً بعض المؤرخين الأجانب في كتبهم مثل (جون ويلكنسون) في كتابه صحار تاريخ وحضارة(وأندرو ويلياقسون) في كتابه صحار عبر التاريخ.

فالزائر لصحار اليوم بكل تأكيد يُلاحظ مدى التطور الذي حظيت به في السنوات الأخيرة ونستطيع القول إنها شبه مكتملة البنى التحتية مما يُؤهلها لتكون العاصمة الاقتصادية للبلاد ومركزا اقتصاديا ينافس الكثير من البلدان لتُعيد أمجادها، فلقد غدت صحار قبلة للعديد من رجال الأعمال والمستثمرين والشركات الكبرى المحلية والعالمية، فوجود المنطقة الصناعية جنباً إلى جنب مع ميناء صحار الصناعي والمنطقة الحرة يشكل رافدا مهما للاقتصاد العماني ويلعب ميناء صحار التجاري دوراً كبيراً في جذب السفن العملاقة بحكم موقعه الإستراتيجي، كما شهدت منطقة صحار الحرة توافد الكثير من الشركات إليها وتلعب دورا أساسيا في تنشيط التجارة ليس على مستوى الولاية فحسب بل لجميع الولايات المجاورة لها، وتتميز منطقة صحار الصناعية عن مثيلاتها بقربها من الميناء ناهيكم عن كونها قريبة من منافذ الحدود لدول الجوار، وتضم بين جنباتها كبرى المصانع، هذه هي صحار الآن في أبهى حلتها تذكرنا بماضيها التليد وتحفزنا لبذل المزيد من الاعتناء بها لتكون على الدوام وارفة حاضرة لا يُمكن تجزأتها أو اختزالها في قالب واحد من قوالب النهضة العمانية التي تحظى بها جميع المحافظات والمدن العمانية.

حينما نتحدث ونصف صحار هذه المدينة الحاضرة بالجمال الشامخة بالتاريخ الممتلئة بالمنجزات فصحار جمعت بين جمال الطبيعة الخلابة بما تتميز به من شريط ساحلي ممتد لقرابة 45 كيلومترا يقابله في الجانب الآخر سلسلة جبال وأودية متوشحة بمختلف الأشجار ناهيكم عن القرى القديمة الممتدة على سلسلة الجبال الغربية للولاية والتي ما زالت شاهدة على عراقة صحار تحيط بها القلاع والحصون والآثار القديمة والمعالم السياحية التي من الممكن أن تكون مزارات لأفواج من السياح لرفد القطاع السياحي لتكون مدينة اقتصادية متكاملة.

 

إذا ماذا علينا أن نقول لصحار اليوم فالنهضة العُمرانية والتحولات الاقتصادية للسلطنة تفرض علينا واقعاً لابد لنا من جعله في مُقدمة أولوياتنا .. وما اهتمام الكثير من المستثمرين ورجال الأعمال المحليين والدوليين بصحار إلا دلالة على أهميتها الإستراتيجية والاقتصادية، فهي اليوم تشهد مشاريع عملاقة بدأت ترى النور، كمصنع لوى للبلاستيك الذي يعد من أكبر المصانع في المنطقة، مصنع النسيج، والعطريات والألمنيوم ناهيكم عن كبرى المصانع التي تحتضنها منطقة صحار الصناعية والتي تم توسعتها في الآونة الأخيرة بسبب ازدياد المصانع المُقامة عليها، وهناك مصانع أخرى تحتضنها المنطقة الحرة، ومن المؤكد أن الحكومة قد أولتها اهتماماً خاصاً في أهداف رؤيتها الاقتصادية لعام 2020‪ .

حينما يتبادر إلى الأذهان سبب وجود أكبر مصنع حديد في الشرق الأوسط (oman valey)،وهي مصدر أساسي في شبه الجزيرة العربية للنحاس والرخام والألمنيوم والحديد فالإجابة على ما يتبادر في الأذهان نستطيع استشفافها من جنبات صحار، حيث عرفت صحار منذ القدم بنشاطها البحري، فقد كانت مركزا لاستخراج وتصدير النحاس إلى دول العالم القديم ونسبة إليها سميت عُمان قديما "مجان" والذي يعني جبل النحاس.

فبالإشارة إلى كل ما سبق وبالتعريف الذي يسرد بعضا من مقتطفات صحار يأتي الدور الآن على الجميع أن نطرح تساؤلا ألا تستحق صحار أن تكون العاصمة الاقتصادية وتكون واجهة التجارة والاقتصاد العماني، فالإجابة نعم تستحق ونحن نأمل ونتطلع لهذه المكانة التي تستحقها.

 

تعليق عبر الفيس بوك