عُمَان التعايش

 

جابر بن حسين العماني

عندما ترى المذاهب المختلفة يجتمعون في مسجد واحد، وفي نفس الحي، ثم يؤمّهم مؤمن منهم دون النّظر إلى مذهبه، ويكبرون ويركعون ويسجدون معا نحو قبلة واحدة، فاعلم أنّك على أرض المحبّة والوئام، بلاد السّلاطين الكرام، سلطنة عمان ذلك البلد العربي الذي عرف بالتّعايش السّلمي، وابتعد عن كل ما يعكّر صفو العيش الكريم.

قال تعالى في كتابه الكريم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبيرٌ"

عندما كانت الصّراعات المذهبيّة تحصد الكثير من الأرواح في المجتمع العربي، كانت عمان في منأى عن تلك الصّراعات المذهبيّة والطائفيّة البغيضة الّتي دمّرت الكثير من الوطن العربي.

تألّق الإنسان العماني بتجربته الفريدة في تجنّب التطرّف الدّيني والمذهبي في الوقت الّذي كان التطرّف الدّيني والمذهبي يجتاح بلاد العرب والمسلمين.

 نجح الإنسان العماني بالابتعاد عن كلّ الجماعات الإرهابيّة فلم تسجّل الإحصائيّات العربيّة والأجنبيّة إنسانا عمانيا واحدا كإرهابي في الجماعات المتطرّفة كداعش والنّصرة والقاعدة وغيرها، يا ترى ما هو السّرّ في ذلك؟

الجواب: السّرّ يكمن في عدّة نقاط، أذكر منها الآتي:

1-المنهج الدّراسي:

 في سلطنة عمان يزرع المحبّة والمودّة ويحثّ على تقبّل الآخر مهما كان دينه أو مذهبه أو توجّهه، ففي سلطنة عمان يستطيع الإنسان أن يصلّي في كل مسجد، ووراء أيّ إمام، دون النظر إلى مذهبه.

 

2-التّربية الصّالحة:

 للآباء والأمّهات دور كبير في غرس قيمة التّسامح الدّيني لدى الأطفال، وتعليمهم كيفيّة تقبّل الآخر واحترامه وتقديره وإجلاله، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته.

 

3 القرار السّياسي:

 فالحاكم وحكومته لهم الدّور الكبير في نشر ثقافة التّعايش السّلمي، ففي سلطنة عمان الحكومة تجرّم من يسيء إلى الطوائف الإسلامية وتغرّمه غرامة تصل إلى عشرة آلاف ريال عماني.

4 العلماء: بمختلف طوائفهم يحثّون على منابر المساجد، على أهمية احترام البشر لأنّهم بشر، وعدم التّمييز بين الطّوائف الإسلامية، ويدعون الجميع إلى المحبّة والمودّة والوئام، فمتى ما كان العالم له دور فاعل في نشر تعاليم السّماء فمن الطّبيعي أنّ النّاس سيمتثلون لتلك الأوامر.

هكذا سعى سلطان عمان قابوس بن سعيد حفظه الله إلى جعل عمان صفّا واحدا متماسكا منطلقا من عروبته وأصالته وهو القائل: "إنّ التّطرّف مهما كانت مسمّياته، والتّعصّب مهما كانت أشكاله، والتحزّب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريهة سامّة ترفضها التّربة العمانيّة الطيّبة الّتي لا تنبت إلا طيّبا ولا تقبل أبدا أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق".

تبنّى منذ بداية حكمه طريق التّسامح والتّعايش والسّلام وقال: "إن السّلام مذهب آمنّا به، ومطلب نسعى إليه دون تفريط أو إفراط" وأثبت أن التّسامح بين الجميع قادر على بناء الأوطان.

يذكر التّأريخ أنّ الإمبراطوريّة العمانيّة كانت مزدهرة اقتصاديّا وسياسيّا وكان ذلك في عهد السيّد سعيد بن سلطان، حيث كان يشغل أوّل سفير عربي في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وهو أحمد بن النّعمان الكعبي، وقد كان مختلف المذهب، وهذا يدلّ بشكل واضح أن سلطنة عمان كانت تؤمن منذ ذلك الوقت بأهميّة التسامح المذهبي للتلاحم بين الأطياف الفكريّة المتواجدة على الأرض العمانية بقوّة.

من أهمّ الضّرورات الهامّة والملحّة الّتي ينبغي على الأمم أن تسعى لتحقيقها اليوم، هو التّعايش السّلمي، والتّسامح الدّيني، من أجل عالم يسوده الاستقرار والاطمئنان والسلام.

ولترسيخ مفهوم التّعايش والتّسامح أقامت السّلطنة معرضا حمل عنوان: "رسالة الإسلام في عمان" وجاب المعرض الشّرق والغرب، وكان الهدف منه تعريف العالم بالتّجربة العمانيّة في التّسامح الدّيني والتّعايش بين المذاهب والأديان، وهي رسالة حبّ ووئام خطّها الشّعب العماني وأرادها أن تتحقّق في كلّ بلاد العالم باعتبارها قيمة حضاريّة وإنسانيّة من أجل مستقبل أفضل للعالم.