مفهوم التعاسة والسعادة في الحياة

 

يوسف العطار

استشاري تربوي ومدرب في التنمية البشرية

‏@alattar_yousuf

 

بين هذه السطور ستجد جوابا لتساؤلات خطرت في ذهنك يوما ما، وستجد لها جوابا شافيا بإذن الله.

موضوع السعادة والتعاسة موضوع نسبي يرجع دائما لتقدير الشخص بذاته، فعندما يجد البعض سعادته في العلاقات الإجتماعية بينما يجدها الآخر في العزلة والوحدة بعيدا عن الناس وهكذا.

وكثير منا يربط السعادة بتوفر المال الذي هو لغة العصر وفيه تظهر مقاييس البشر محدودي النظرة، فأنت بمقدار ما عندك من مال وما تملك من ثروة مادية إلا من رحم الله.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الفقر يسبب التعاسة؟ وهل الغنى يسبب السعادة؟

إنّ الفقر يعتبر سعادة فقط عند أولئك الزاهدين أو المتصوفين أو الرهبان ولكنه ليس كذلك عند الناس العاديين.

يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه "الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن".

ما هو شعورك لو ربحت مليون ريال الآن؟ أُجريت دراسة على الذين حصلوا على ثروة مفاجئة كالفائزين في سحوبات اليانصيب، ووجدوا أنهم بعد أقل من سنة عادوا إلى المستوى الطبيعي للسعادة ولَم يكن هناك فرق بينهم وبين أي شخص عادي لم يربح شيئا. فالثروة الكبيرة لا تعني بالضرورة السعادة الكبيرة.

على سبيل المثال: الشخص النكدي المتذمر لا يختلف حاله بعد أن يصبح ثريا فهو سيتبع نفس الأسلوب في الحالتين فهو متذمر في فقره وفِي غناه. وكذلك الشخص السلبي الذي كان يلوم الظروف التي جعلته فقيرا، سيلوم ظروف أخرى بعد أن يصبح غنيا كذلك. والسبب أن هذا هو مستوى التفكير لديه وهذه هي النتيجة التي يحصل عليها في الحالتين.

هل معنى ذلك أنّ المال لا علاقة له بالسعادة؟ بالطبع لا، ففي عام 2009 قام العالم دانييل كانيمان عالم النفس الحاصل على جائزة نوبل للسلام في الإقتصاد بإجراء مقارنة بين مستوى دخل الفرد وعلاقته بالسعادة. فوجد أن الفقر لا يسبب التعاسة بحد ذاته ولكن المشاكل المترتبة عليه هي من تجلب له التعاسة. كما لاحظ أنّه كلما ارتفع دخل الشخص زادت سعادته ولكن هذه العلاقة تتوقف عند الوصول لحد معين من الدخل وبعدها لا تؤثر الزيادة في الدخل على السعادة وتختفي العلاقة بينهما.

بعدها قام بتقدير مستوى الدخل الذي يجعل الفرد العادي في أمريكا سعيدا فوجده 6250 دولار شهريا وبعدها يتوقف تأثير المال على السعادة. أي أن هناك حدا فاصلا بين السعادة والتعاسة يحققها المال ولكن عند حصول الإشباع تتوقف السعادة تلقائيا. وهنا نكتشف أن المال يحقق لك السعادة عندما يخلصك من معاناة الفقر وعند الوصول للثراء والاستقرار المادي يتلاشى الشعور بالسعادة تدريجيا.  

سؤال لك للتأمل: هل استمتاعك بقطعة الحلوى الأولى يساوي استمتاعك بالقطعة الرابعة؟ كيف تشتري السعادة؟ يقول بودريك: "الذين يقولون إن المال لا يشتري السعادة لا يعرفون من أين يشترونها".

هناك دراسة أجريت على عينة من الشبان حيث أعطي كل واحد منهم عشرون دولارا ينفقها كيف ما يشاء، ثم بعد ذلك تم استدعاؤهم وطلب منهم الإفصاح عن كيف صرفوا المال؟ وما تأثير ذلك على سعادتهم؟ ووجدوا أن الذين أنفقوا المال على أمور مادية كشراء ساعة فاخرة أو قلم ماركة أو نظارة شمسية، عاد مستوى السعادة لديهم إلى مستواه الطبيعي بعد فترة قصيرة. أمّا الأشخاص الذين أنفقوا المال لإسعاد غيرهم كتقديم مساعدة مادية أو التبرع للمحتاجين أو دعوة حبيب على العشاء أو شراء لعبة لطفل فإنّ مستوى السعادة يكون أكبر وبقي لفترة أطول. وتبين من خلال التجربة أنّ المال حينما ينفق في نشاط يجعل الآخرين أسعد يكون له تأثير على سعادتنا بشكل أكبر.

في الغرب يتبرع معظم الأثرياء بأموالهم للجمعيات الخيرية لأنّ هذا يغرقهم بالسعادة ولأنّ هذا يزيد من تقديرهم لذاتهم، وكذلك تقدير الناس لهم، وهذا يزيد من مستوى السعادة لديهم تلقائيا عندما يشعرون أنهم محبوبون. وهذا حال كل الأثرياء الذين توصلوا لهذا الوعي سواء كانوا في الغرب أم في الشرق أم في أي بقعة من العالم الجميل.

تعليق عبر الفيس بوك