ارفعوا أيديكم لطفاً !!!

 

  علي بن سالم كفيتان بيت سعيد

إنَّ الفطرة السليمة للإنسان تأخذه إلى الجانب المشرق من الحياة فيحرص على كسب الآخرين لأنه اجتماعي بطبعه، كما قال ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، أما أن يتجه للجانب الآخر ويستحدث مهارات لم تخطر على البال لكسب المزيد من الأعداء، فهذا فتح جديد برع فيه لفيف من المُغامرين الذين يمتعهم بروز الفوضى ونمو القلاقل، معتبرين الأمر مجرد لعبة بلايستيشن ثلاثية الأبعاد يمارسونها في أوقات فراغهم. 

هذه المجموعات تنشط في المجتمعات التقليدية البكر ذات الإدراك البسيط للأمور وحتى في بيئات العمل الحكومي والخاص على حدٍ سواء وأصبحت ظاهرة للعيان بشكل لافت خلال الأعوام الأخيرة فلا يغمض له جفن إلا إذا أشعل ثقاب الفتنة بين الأقارب وذوي الرحم، وكم يسعده أن يرى منتجه التخريبي يشمل مكونات اجتماعية أخرى فتراه يضرب دفوف الحماسة على أعتاب المناسبات العامة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تؤجج النَّاس وتدفعهم لحافة المواجهة مع المجهول فلا عدو موجود على أرض الواقع بل هي أوهام تم غرسها وتصديقها في آن واحد وأصبح الآلاف يركضون خلفها دون علم أو دراية للأسف.

عندما ترجع إلى أرض الواقع تجد أن المجتمع متعايش وأن التنمية قطعت شوطاً كبيراً والبلد مستقر وآمن وحصد المرتبة الأقل عالمياً في مجال الحوادث الإرهابية والفكر المتطرف. إذاً فما الذي يشغل بال هؤلاء ويجعلهم يبنون الكراهية تجاه الآخر؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر أصبح معيار الظفر بمقعد مجلس الشورى والبلدي هو اختبار لمن يمتلك القدرة على الحشد، ولتعلم الدولة عن ذلك وكأن الدولة ومؤسساتها تجهل الموازين والتوجهات والأحمال الاجتماعية في هذا البلد، وهناك من لا زال يعتقد جهلا منه أن المناصب العليا توزع من داخل مخبز الأصوات.

إنَّ هذا التوجه الإقصائي الفوضوي ولد توجهات أخرى مضادة ولكنها أكثر تنظيمًا وفتكاً بالمجتمع على المدى البعيد ووصل بعضها من حيث التنظيم إلى مستوى الأحزاب السياسية غير المعلنة يدفعها الحنين للماضي الذي لم يتحقق، ونكايةً بذلك المجهول الذي ظل ممسكاً بزمام الأمور لحقب طويلة من الزمن وفق صراع لا طائل منه فالكل يتباهى بمقدار ما يجمع من الأوراق التي يقذفها داخل الصندوق متلذذاً من خلالها بهيمنته وعندما ينحرف مؤشر النتائج في إحدى السنوات إلى الوجهة غير المعتادة يقف الطرف الخاسر حجر عثرة أمام كل شيء كنوع من العقاب الجماعي للمجتمع وللأسف فإنَّ بعض دوائر القطاع العام تجد في ذلك الاختلاف ملاذاً لسد شرايين التنمية حتى يتفق الضدان اللذان لن يتفقا !!!.

وغير بعيد فإنّ سلطة المال والمنصب جرت أصحابها كذلك لهذه اللعبة فبعد امتلاكهم للمال نسجوا شبكات نفوذ يصعب تفكيكها ولا مانع لديهم من الدخول إلى دواليب السياسة الداخلية فأصبحوا خير من يمثل للشعب وإن لم يكونوا هم فمن اتباعهم، وهنا خُطفت آخر ورقة يمكن من خلالها للإنسان العادي أن يصل إلى دهاليز الديمقراطية المنشودة ويقدم خدماته المخلصة للبسطاء أمثاله ممن أعيتهم الدروب ولم تصلهم الطرق المريحة، وممن لا تزال حاراتهم تسبح في الظلام الدامس، وممن لا زالوا يمتطون ظهور سياراتهم المهترئة لجلب المياه إلى منازلهم من الآبار البعيدة...إلخ.

نقول لمن صنعوا عدوا افتراضياً كفاكم فلا عدو على أرض الواقع غير فكركم المريض، ونقول لمن استغل المواقف العفوية لمجتمعات بكر لا زال فكرها بدائياً لتحقيق غايات فقدها أيام الشباب لا مجال لكسب المعركة المنتهية، ونقول لمن غره المنصب والمال ليلعب بطموحات وأحلام البسطاء ارفعوا أيديكم واتركوا المواطن يمارس حقة دون استغلال عوزه لشبكات نفوذكم، وفتات أموالكم.    

alikafetan@gmail.com

 

 

الأكثر قراءة