بروز بلا "شللية "!

 

يوسف عوض العازمي

 

"ليكن غرضك من القراءة اكتساب قريحة مستقلّة، وفكر واسع، وملكة تقوى على الابتكار، فكل كتاب يرمي إلى إحدى هذه الثلاث فاقرأه".. مصطفى صادق الرافعي.

قبل فترة كنت اتحدث مع أحد الكتاب، وكان يشكو من عدم دعمه من أية جهة سواء رسمية أوأهلية، وأنه كي يصل له هذا الدعم عليه الالتحاق أو تقديم طلب انضمام لأي "شلة" أو مجموعة معينة، حتى يتم الدعم والمؤازرة لأنه من "ربعنا" ويحظى برضانا!

في رأيي أنّ العمل كعمل هو من يفرض وجوده، سواء بدعم أو بدون دعم، صحيح الدعم له تأثير كبير، لكن مالفائدة من دعم باحث أو كاتب دون المستوى، سيكون كالفقاعة، لن يستمر، وسيكون البروز لاسمه فقط وليس لعمله، والمهم هو العمل وليس اسم الباحث أو الكاتب المقصود.

كثير من الذين برزوا لم يشتهروا إلا بأعمالهم، وهي التي أظهرت أسماءهم وتداولها الناس والإعلام، وهنا اتحدث عن كل نطاقات الكتابة، لايمكن للأسم مهما علا شأنه أن يبرز عمل إلا مؤقتا"، ومؤقتا" هذه تعتمد على دعم إعلامي، قد تكون شخصية الباحث أو الكاتب لها صداها بالمجتمع، لذا فهي تأخذ وقت قصير ثم تنسى مع الزمن، لأنه لا إبداع ولاعمل ولا شخصية كاتب ظهرت.

في كتابات التخييل وأبرزها الروايات، هناك من يبدأ برواية طويلة وقد تتعدى صفحاتها الأربعمائة صفحة، أحدثك عن بداية وليس عن كاتب معروف، أعلم أنّ عدد الصفحات قد لا يكون واقعيا"، ربما بسبب قياس قطع الكتاب، أو الطباعة بخط كبير، أو في كثير من الأحيان أن الكاتب يزيد في الحشو والإنشاء ويكثر من الاقتباسات، وهنا قد تصل الصفحات إلى ألف صفحة.. لم لا؟

ولو دققت جيدا "فالأربعمائة صفحة من كتاب ذب قطع متوسط، لو دققت بمهنية فلن تزيد عن مائة صفحة ومن القطع الصغير! هنا نقع أمام مستكتب وليس كاتب!

في كتابات الأبحاث قد يصل الأمر إلى ألف صفحة "وعلى الراحة"، لأنّ هنا طبيعة البحث هي من يفرض على الباحث عدد الكلمات والصفحات، وأحيانا قياس قطع الكتاب، والباحث لا يكتب عادة للعامة، هناك دراسات محكمة جديرة بالاقتناء والقراءة بذل لإنجازها جهدا "كبيرا"، وتستحق الاهتمام، نظرًا لخصوصيّتها العلمية، كل في مجاله، عندما تدخل مكتبة أو دار نشر أو حتى معرض كتاب وتجد الإقبال على الكتب المحكمة فهذا دليل وجود قارئ نهم يقدر العمل الجاد، ويدعمه بالشراء والقراءة فيما بعد، شراء الكتاب ومن ثم قراءته هو دعم للكتاب وللكاتب وللجهد الجاد، لا يتعارض هذا مع دعم كتب التخييل كالروايات الخيالية الأشخاص واقعية الأحداث، يعلم أي متابع بأنّ هناك روايات تستحق المكانة المعتبرة لجودة ما يطرح بها من بيان فكري وتاريخي وسياسي، وتقدم رسالة للمجتمع وتشارك في الطرح والتحليل.

غالبا العمل الجيد يفرض نفسه، أيا كانت العوائق، وإن لم يكن اليوم سيكون غدا، هذه طبيعة الدنيا.

أنصح أي كاتب جاد أيا كان مجاله في الكتابة ألا يعتمد على ظروف غير عمله، مهما يكن حجم الدعم الذي سيصلك لن يسجل اسمك بالتاريخ ككاتب أو كباحث، اعتمد على موهبتك وجهدك وإبداعك، وقتذاك إن جاء دعم أهلا وسهلا، وإن لم يأت فالعمل المنجز يدعم نفسه بنفسه، إن لم يكن اليوم غدا بعد غد.

تعليق عبر الفيس بوك