قصائد الكبرياء


زيد الطهراوي | الأردن
حين رأى عمر أبو ريشة النسر و هو يسقط نظر إلى نفسه والألم يعتصرها وكأنه يقول: (نعم ؛ذلك النسر هو أنا)؛ كان يتذكر أمجاد المسلمين وينظر إلى واقعهم الأليم ولم تطل تأملات الشاعر في ذلك النسر فقد استجمع قواه وتحمل آلام جراحه وطار ليهبط على القمة التي وقع منها، لقد هبط ميتا وقد أعجب الشاعر بهذا الهبوط الذي تزينه المعاني السامية فالحياة الذليلة لا تساوي شيئا وإن كان صاحبها في نعيم، والحياة الكريمة هي السعادة الحقيقية وإن كان صاحبها في شقاء؛ بل لو خسر من أجلها حياته كلها.
أُعجب الشاعر بهذا الهبوط؛ ولكنه لم يقل: (نعم؛ ذلك النسر هو أنا)؛ لأنه لايعرف حقيقة إصرار المسلمين عربا، أو عجما على أن يعودوا إلى قمة أمجادهم، فقال والألم ما زال يعتصره: (أيها النسر هل أعود كما عدت أم السفح قد أمات شعوري) في إشارة حازمة من الشاعر إلى أن الرفعة لا تنال بالتمني.
ويستمر نداء الكبرياء عاليا في شعر (أبو ريشة)، وينشد الشاعر قصيدته الفريدة (أمتي)، ويأتي السؤال في بدايتها عنيفا مؤلما كوقع السيف ولكنه رؤوف متزن:
(أمتي هل لك بين الأمم
منبر للسيف أو للقلم؟!)
الشاعر يشرِّح هذه الأمة بمشرط الطبيب ليخرج مادة الفساد منها، أو ليخرج مادة الكسل والاستسلام منها، وقد عالج الشاعر مرض الانبهار بشخصية ما ورفعها إلى المكان الذي لا تستحقه ليعلو تصفيق المستمعين للشاعر وتستمر مطالبتهم بإعادة هذه الأبيات في الوقت الذي تكاد رؤوس البعض تنفجر من الغيظ وكأنهم أحسوا أن الشاعر يقصد شخصية بعينها:
(أمتي كم صنم مجدته
لم يكن يحمل طهر الصنم)
فهل كانت هذه القصيدة سببا في إبعاد الشاعر عمر أبو ريشة عن وطنه وتعيينه بالسلك الدبلوماسي برتبة وزير مفوض، وكأن القوم لا يريدون الاعتراف بخطئهم؛ بل يريدون الاستمرار في تقاعسهم وانخذالهم وسلبيتهم؟
 لقد ذاق الشاعر صنوف العذاب من المستعمر الفرنسي ومن أبناء أمته لتبقى  قصائد الكبرياء  في ديوانه إدانة لحالة السقوط وأملا في الوصول إلى القمم.

 

تعليق عبر الفيس بوك