جني وادي الحريم!!

سالم بن نجيم البادي

يحكى في الأساطير أن جنيًا ذائع الصيت يقطن في أعالي جبال وادي الحريم يتربع في قمقمه في مكان يدعى "السويدي" وادي عميق تجري المياه فيه طوال أيام السنة مياه الوادي بيضاء، نعم بيضاء تحتها طبقة بيضاء تسمى "الملق" وللجني بحيرة عظيمة ومخيفة مياهها زرقاء كزرقة السماء ربما هي مكان القمقم العتيد البحيرة لا يجرؤ أحد على مجرد الاقتراب منها أو حتى النظر إليها لها هيبة تبعث الفزع في النفوس ويقال إنها تبتلع من يدخلها ابتلعت حيوانات كثيرة أو ربما بعض البشر في أزمنة غابرة ولجمال البحيرة واسمها "ولم" واتساعها وكثرة مائها وعذوبته يخاطبها الأهالي بقولهم "ولم تولمي بنروح"، وذلك على سبيل التمني أن تكون قريبة من بيوتهم والعبارة تعني يا ولم استعدي للذهاب معنا.

ومملكة الجني هذه يمر عليها الناس مرور الكرام في خوف وترقب وخشية المفاجأة غير السارة، ويروى - والعهدة على الراوي دائما- أن بعض الأهالي سمعوا بكاء أطفال الجن وشاهدوهم وهم يمرحون ويستحمون في "ولم" وحولها أو وهم يغسلون موتاهم أو عندما يدفنون الموتى في مقبرة الجن. لكن رجلا واحدا تعايش مع الجني وقومه يدعى "قشبر" الذي قام بزراعة الأرض قريباً من "ولم" ولعله استأذن الجني في ذلك، فزرع شجر الليمون، وفي المواسم يزرع البصل والثوم والجح والبر والشعير والدخن، ويبدو أن بعضهم رأى الجني على حقيقته لأنهم كانوا يشيرون إلى ضخامة وكبر حجم الجح والبطيخ والبصل والثوم ويقولون "كبر رأس الجني". لم تكن علاقة قشبر بالجني علاقة ود دائم ولا عداء مستمر، فإذا حدث وأن سكب قشبر ماء ساخنا طبعا من غير قصد وأصاب أحد أفراد الجن، فإن عقوبة ذلك تكون ألماً في أذن قشبر أو عينه حتى يشفى مصاب الجن من الحروق وإن أصاب قشبر جنياً وهو يحرث الأرض (بمسحاته) فإنَّ عقوبة ذلك فساد ذلك الزرع. وحدث في إحدى السنوات أن قشبر قام بزراعة القمح في مساحة شاسعة من الأرض وقبيل حصاده بوقت قصير وقشبر سعيد بزرعه يسقيه ويسمده ويقتلع الحشائش الطفيلية ويحرسه من الأغنام والحمير والطيور، وقد باع بعضه ورهن بعضه ووعد بسداد ديونه منه، وذات ليلة مقمرة هجم الجن على الزرع، وأصبح أثرا بعد عين، عندما أستيقظ قشبر من نومه في الصباح لم يجد زرعه، وكأن الجراد أكله، لكن تلك السنة لم تكن سنة جراد وكان التفسير الوحيد والمنطقي لاختفاء الزرع هو غضب الجني!!

كان ذلك تاريخاً يا أعزائي والذي مضى مضى ما يهمنا هو حال الجني في الوقت الحاضر وهو منذ 35 سنة يخرج رأسه من قمقمه عند طلوع الشمس كل يوم ينظر نحو جهة الشرق ينتظر بدء العمل في رصف الطريق في وادي الحريم، (شارع القار) كما يسميه الأهالي هنا، ولقد يئس أو كاد وأصابه اكتئاب الانتظار الطويل، وقد شوهد أخيرا وهو يجثو على ركبتيه ويحثو التراب على رأسه ويصرخ صرخة هائلة تردد صداها بين تلك الجبال الشاهقة وخر مغشياً عليه ولا ندري إن كان توفي أم أنه في حالة غيبوبة!!

تعليق عبر الفيس بوك