حميد بن مسلم السعيدي
يتصدر التعليم قائمة الإنفاق في ميزانية الدولة بمبلغ يتجاوز المليار ريال عُماني مُعتلٍ بذلك الصادرة من حيث الأهمية، ويأتي ذلك تمثيلاً لاهتمام حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- ببناء الإنسان العُماني وتمكينه من كافة الجوانب العلمية التي تساعده على القيام بدوره في التنمية الشاملة، ليصبح قادرا على التفكير والإبداع والابتكار وصناعة التغيير والتطوير في الوطن، خاصة ونحن اليوم على مقربة من الثورة الصناعية الرابعة التي تعتمد على الذكاء والابتكارات الحديثة.
فنحن جزء من هذا العالم الذي يتنافس بوتيرة متسارعة من أجل أن يكون له دور في الصناعات الحديثة التي تنقل البشرية نحو حضارة جديدة يطرق أبوابها اليوم، فهل تعليمنا قادر على بناء أجيال تستطيع أن تكون جزءا من تلك المرحلة؟ أم أننا سنظل نفكر في معالجة مشكلة القراءة والكتابة للغة العربية اللغة الأم!
كل شيء يعطي دلالة على أنّ التنظير في المنظومة التعليمية قائم على افتراضات وأهداف تتوافق مع الحداثة، ولكن من ينظر إلى الواقع فيجده بعيداً عن تحقيق تلك الأمنيات، فتعليمنا يهتم بالوقائع السطحية فيصنع مخرجات لا تمتلك مهارات التفكير اللازمة، مبتعدا بذلك عن التعليم العميق الذي يصنع عقولا مفكرة تمتلك من المهارات ما يؤهلها للإبداع والابتكار وصناعة مستقبل حديث لعُمان.
وفي ظلّ هذا العجز وجد القطاع الخاص ضالته في التعليم ليصبح جزءًا من الاستثمار في مستقبل الوطن، ويريد أن يأخذ نصيبه من تلك الأموال سواء الأموال العامة أو الأموال الخاصة التي تؤخذ من محفظة المواطن، متخذاً من غاية الشراكة في مساندة الحكومة في التعليم رؤية له، ولكن الواقع يتحدث عن أرباح مالية وفوائد تعود إليه بالنفع، فهذا القطاع لن ينفق ريالاً واحداً من ميزانيته لأجل التعليم، وإنما يريد تحقيق عوائد مادية وعليه الحصول عليها بأي ثمن.
في ظل كل هذه المعطيات يأتي مشروع تصنيف مدارس التعليم الخاص كأحد المشاريع التربوية التي تتبناها المؤسسة التربوية مستغلة من التجارب والخبرات الدولية في هذا المجال منضدة تستند عليها، دون أن ترى أن هناك معطيات ومحددات تختلف عن التعليم في البلد، فكل دولة ظروفها وإمكانياتها ونوعية تعليمها، أمّا هنا فالتعليم معنا لم يتمكن من الوصول إلى منتصف الطريق في جودة التعليم، فالمؤسسة التربوية تواجه تحديات في تقييم مؤسسات التعليم التي تشرف عليها، فكيف ستتمكن من تقييم ومتابعة التعليم الذي يقوم به القطاع الخاص، والذي أصبح اليوم يستقطب أكثر من مائة ألف طالب في كافة المراحل التدريسية، مما يضع تساؤلات عديدة أهمها: ما الأسباب الذي تدفع المواطن لتعليم ابنه بالمدارس الخاصة، في ظل وجود تعليم حكومي مجاني؟ هذا الأمر ليس محل حديثنا ولكن ما تقوم به المؤسسة التربوية بمشروع تصنيف المدارس الخاصة هو مشروع ترويجي يهدف إلى توجيه المواطنين لفئة معينة من المدارس والتي سوف تصنف بأنّها في المستوى الأول الممتاز، مقابل دفع مبالغ كبيرة لأنّها تصبح في فئة النخبة وبالتالي سعرها لن يكون منخفضاً، وفي ذات الاتجاه ستكون هناك مدارس متعثرة في الفئة المنخفضة المقبولة أو الضعيفة وهذه سعرها سوف يكون أقل بحكم أنّها ذات تعليم منخفض الجودة، فالتعليم حسب هذا التصنيف قد يتحول إلى سلعة لها سعرها حسب جودتها، يحصل على أفضلها من يستطيع أن يدفع سعراً أعلى، فماذا يمكن أن نقول بعد هذا؟
إنّ تعليما عالي الجودة في المدارس الخاصة يقابله تعليم متعثر وضعيف على مرأى ومسمع المؤسسة التربوية فهذه مشكلة كبرى تهدد مستقبل الوطن، وتؤثر على تعليم أكثر من مائة ألف طالب منتسب إلى هذه المدارس، وهذا يحدث على علم من قبل المؤسسة التربوية، الأمر الذي يتطلب العودة إلى منظومة العقل وتحكيم المنطق وإصدار القرارات التي توقف ممارسة بعض المدارس الضعيفة لهذه المهنة، فلا يمكن القبول بوجود مدارس ذات أداء ضعيف، ويدفع المواطن الذي هرب بابنه من التعليم الحكومي من جيبه، ومن ماله الخاص الذي يفترض أن ينفقه على أسرته، فهو يضحي بذلك في سبيل تعليم أبنائه، ولكنه لا يعلم بوجود تعليم لا يحقق أدنى مستويات التعلم الأساسية.
إنّ التعليم يمر بمرحلة لابد من إيجاد الحلول الناجعة التي تعمل على النهوض به ليس في التعليم الذي يديره القطاع الخاص وحسب، وإنما التعليم الحكومي الذي يضع الوطن المستقبل على أكتافه، لذا ينبغي تطوير هذا المشروع ليتجه إلى إصدار رخصة وطنية تعطي المدرسة التي اجتازت المعايير الموافقة على ممارسة هذه المهنة والمدارس التي لم تجتز المعايير، يجب إيقافها عن ممارسة مهنة التعليم، فمستقبل تعليم أبناء هذه الوطن لا يقبل القسمة على اثنين بين مصالح المستثمرين المالية ومصلحة الوطن.